بقلم - حمدي رزق
لفتنى تعبير بليغ يلخص الحالة الشعبية المصرية، شعب مالوش كتالوج، يفاجئك بما لا تتوقعه، ودومًا مفاجآته سارة، جد تغبطك.
الاصطفاف المبهر أمام لجان التصويت فى الانتخابات الرئاسية، وبالملايين، شيوخًا وشبابًا، سيدات وفتيات، عمالًا وفلاحين، مثقفين ومفكرين، علماء وأطباء، جميعًا كتلة واحدة صلبة فى ظهر وطن يستحق الخلود.
شعب يعبر عن نفسه جيدًا، لا يترك لأحد أن يتحدث باسمه، إذا أحس بالخطر انتفض، وإذا نفر كالموج العاصف يكنس ما أمامه من عكوسات تعطل المسير، شعب يأتى عجبًا، ولا تعجب من شعب علَّم العالم معنى الصمود فى وجه الفيضان.
الحالة الشعبية المصرية استثنائية، عصية على التفسير السياسى، خارج النظريات المعتمدة فى مراجع الديمقراطية كما سُطّرت فى أمهات الكتب، شعب «مالوش ملكة»، عندما تستشعر منه يأسًا، يبهرك من فرط التفاؤل، وعندما تخشى منه غضبًا يسعدك برضاه.
المصرى الجميل يأكلها بدقة ولا سؤال اللئيم، وحامد وشاكر ربه، وإذا سأل يسأل الله، وإذا ضاقت فرجت، وصبر جميل، لا يأكل سحتًا، ولا يقرب حرامًا، ويخشى من ولاد الحرام، لأنه ابن حلال مصفى، ومصلى، ويعرف الله حق المعرفة، فطرته سليمة، وحقيقى، غير مصنوع وملون وجهه بالأصباغ، كالبلياتشو يُضحك المهرجين الذين يجولون فى الأسواق ببضاعة مضروبة.. خلوًا من الصدق والطيبة.
هذا شعب الأكرمين، أنت فى حضرة شعب علَّم الدنيا الكرامة والعزة والمحبة والتوحيد، شعب عصى على المحن، وياما دقت على الرؤوس طبول، وشعاره الأثير، كما قال ابن النحوى: «اشتَدِّى أزمَةُ تَنفَرِجى».
هذا الشعب الطيب ترضيه تاخد منه عينيه، تداويه يدعيلك بالصحة، تستره يتمنى لك الستر، شعب صابر وقانع وغلبان قوى وعاوز يربى عياله، ويستّر بناته، وفى الدنيا منيته أربع حيطان يتدارى فيهم من غدر الزمان، وفى الآخرة حفرة وقطنة وموتة كريمة، وربع قرآن مما تيسر من آيات الذكر الحكيم.
الشعب المصرى لمن خبر معدنه، شعب أصيل، من الأصالة، يعرف الفضل لأهل الفضل، شعب يعرف العيبة ويحترم الشيبة، يميز الطيب من الخبيث، ويحب الحب فى أهله، ويستشعر الكره من أهله، ويأنف الكذابين، ويلفظ المتجبرين، وأطاح بالجماعة «الإرهابية» بنفخة من روحه، ولايزال قابضًا على جمر الوطن، صابرًا محتسبًا، وإن جاع وإن تعرى سماء مصر تظلله، وعناية الله جندى.
شعب يضرب الأمثال جميعًا، نموذج ومثال، شعب راضٍ بالقسمة والنصيب والمقدر والمكتوب، وشعاره «اللى مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين»، شعب تفرحه انتصارات شبابه، يرى فيهم حلمه، ويرقص على الطبل البلدى حبًا فى أغلى اسم فى الوجود، ويقف «زنهار» تحية للعلم، وتدمع عيناه على أغنية «يا حبيبتى يا مصر».
شعب جميل محب للحياة، وضحكته مجلجلة، يقهقه فى وجه الزمان، ويغنى يا صباح الخير يا اللى معانا، وإن أحب عشق، وإن عشق يعشق قمر، شعب طيب وجدع وكريم، شعب مفطور على الصبر، ولا عمره اشتكى ولا قال آه، يضحك من جوه قلبه وملء شدقيه، ويسخر حتى من ألمه، وفى شدته محتسب، وفى فرحته مبتهج، ربنا يسعد قلب من يريح قلبه ويؤمن عيشه ويرسم مستقبل أحفاده