بقلم : حمدي رزق
ما تعودت إنكاراً ولا استكباراً ولا تجملاً، ولا أخفى عليكم سراً، لو كان والدى حياً (الله يرحمه ويبشبش الطوبة اللى تحت راسه) لكنت أول من اشترى شهادة «أمان» باسمه، والسبب أن والدى كان من عمال اليومية، بالمعنى الشعبى «فواعلى»، يخرج صباحاً مع أذان الفجر ويعود مع أذان المغرب، يغدو خماصاً كالطير ويعود (أحياناً) يحمل جنيهات يقمن صلبه ويسترنا.
يوم بيوم عشنا أياماً صعيبة، وكنت واجفاً مما تدخره لأسرتنا الصغيرة الأيام، كان منهكاً ولم أره إلا متعباً، وكان يبتسم فى وجه الزمن الصعب، ويرمى حموله على الله، كنت أخشى يوماً يسقط من فوق سقالة منصوبة فى الهواء، لا يحفظهم سوى عناية الله سبحانه وتعالى، وكم قص علينا من قصص سقوط نفر من الرجال من فوق سابع دور، كنت أختبئ فى نفسى خشية مثل هذا اليوم الذى تفقد العائلة وليها وراعيها ومصدر رزقها، كنت أخشى من الخشية موقناً بأن من خلقنا لن ينسانا أبداً، يرزق النملة السوداء فى الليلة الظلماء، وكلٌّ برزقه.
كنت أحياناً أذهب أتلصص على سوق الرجالة، كنت أبحث عن وجهه الطيب متطلعاً لرزق يجود به الرزاق الكريم، فإذا ظفر بعمل طفق مهرولاً مسروراً، وإذا استيأس عاد إلى أهله خائباً محسوراً، يتجرع الألم، خلاصته حياة شقاء فى شقاء وما بعد الشقاء خواء، لم يبلل ريقه الجاف سوى فرحته بنجاح أولاده.
من فكر فى إصدار هذه الشهادة المعتبرة (أمان) وأشار بها على الرئيس لتأمين عائلات الفواعلية وعمال اليومية والفلاحين فى الحقول والعمال فى المصانع والباعة فى المتاجر والمعيلات فى المنازل، يستأهل قبلة على الجبين، وحماس الرئيس مشكور، ويستأهل كل التحية أن أصر على إصدارها فوراً وتأمين الملاءة المالية والغطاء التأمينى المطلوب خلال 15 يوماً من خلال استقطاعات طوعية من استحقاقات الشركات العاملة مع الجيش والحكومة.
الفكرة الطيبة كالكلمة الطيبة، لن أنتظر فتوى من مفتى الديار المصرية العلامة الدكتور شوقى علام، لأقرر اجتهاداً وعن يقين أن شهادة «أمان» تدخل فى أبواب الزكاة، وتخرج من أجلها الزكاة، وزكاة المال لو وجهت إلى شراء شهادات أمان لغير القادرين لكانت خيراً وأعظم نفعاً، وإذا أقبل الميسورون على تأمين شهادة لذوى القربى ممن لا يحوزون عملاً ولا راتباً ولا يضمنون معاشاً لأولادهم بعد الوفاة لفازوا بالثواب العظيم، الأقربون أولى بالمعروف.
فضيلة المفتى، فلنضعها نصب أعيننا ونحن نقبل على شهر رمضان الكريم، موسم الزكوات والبركات والطيبات، ولتوصِ كل مقتدر بها، يبادر بشراء شهادة لمن لا تأمين لهم، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون، هذه الشهادة تستر الغلابة والمحتاجين، تغطى عوز ما بعد العائل الوحيد، وحصن أمان للملايين من الذين سقطوا من قعر القفة المجتمعية لأسباب يطول شرحها.
خلاصته هذا رئيس يستحق التحية من ابن فواعلى ذاق الأمرين وخشى من مغبة فقد الأب صغيراً، يرحمه الله كان سيفرح كثيراً بهذه الشهادة التى تؤمن مستقبل أولاده من بعده، مشكور صاحب الالتفاتة الرئاسية إلى هذا الجيش الجرار من عمال اليومية «الفواعلية» فى المزارع والمشروعات والطرق والمصارف، من يتهددهم خطر الموت المحقق، من يعيشون على الكفاف، ملح الأرض الذين يترجون الله فى حق النشوق، وعايشين على فيض الكريم، وباطهم والسماء.. شهادة هى ستر وغطاء، بارك الله فيمن أشار ومن تحمس ومن سعى سعياً طيباً.
نقلًا عن المصري اليوم القاهرية