بقلم - حمدي رزق
تلقيت رسالة مهمة من أستاذ جامعى «مُعار» إلى الخليج، تعبر عن حال الكثيرين من المُعارين إلى جامعات خارج الحدود.صاحب الرسالة يطالب فيها بإطلاق إعارات وإجازات أعضاء هيئات التدريس والمدرسين في الخارج حرصًا على مصالحهم، وضمانًا لاستمرار تدفق تحويلاتهم، فليست هناك مصلحة وطنية في إعادة هؤلاء إلى الوطن في ظل الأزمة الاقتصادية، ما يترتب عليه فقدان وظائف ودخول وتحويلات، البلد في أمَسّ الحاجة إليها.. والتحويلات تشكل رافدًا مُقدَّرًا للدخل الوطنى.
الرسالة تتحدث بلسان آلاف المصريين في الخارج الذين استنفدوا مدة الإعارة، ومستوجب درسها والتعامل بإيجابية معها في ظل توجيهات رئاسية بإطلاق الإجازات والإعارات تحقيقًا للصالح الوطنى.
يقول صاحب الرسالة، وأحتفظ باسمه حتى لا تتقصده البيروقراطية العتيدة في جامعته الكبيرة: لاشك أن أساتذة الجامعات المصرية المُعارين والعاملين بالخارج أهم رافد من روافد القوة الناعمة المصرية، فكل منهم وبما لديه من علم وخبرة يلتقى بعشرات، بل بمئات الطلبة في اليوم الواحد ولساعات طويلة، ناهيك عن مقابلتهم عشرات من أولياء الأمور الذين يعملون في جهات عدة مختلفة، وهو الأمر الذي لا يتيسّر لغيرهم من المُعارين والعاملين بالخارج أو حتى غيرهم ممن يعملون بالداخل، ما يخلق حضورًا مصريًّا ضروريًّا مهمًّا في هذه البلدان.
ولاشك أيضًا في أن تحويلاتهم تمثل مصدرًا رئيسيًّا للخزانة المصرية بالنظر إلى ارتفاع رواتبهم بالمقارنة بغيرهم من الفئات الأخرى في الداخل، ومع ذلك ظلوا ولسنوات طويلة يعانون، ومع كل عام، عنت وتشدد جامعاتهم في تجديد إعاراتهم وإجازاتهم لأسباب واهية تتعلق بالتمسك بتلابيب نصوص قانونية عتيقة مضت عليها عشرات السنين وُضعت وقت أن كان عدد أعضاء هيئات التدريس ندرة، وكانت جامعاتهم في أمَسّ الحاجة إليهم، إضافة إلى كثرة عروض العمل المقدمة من الدول العربية الشقيقة.. وهذه اندثرت تقريبًا، وانفرادهم دون غيرهم من الجنسيات العربية بالعمل بالجامعات العربية الوليدة وقتها.
أما الآن فقد تبدل الوضع بزيادة أعدادهم، ودخول جنسيات عربية وأجنبية في المنافسة، فضلًا عن سياسة التوطين التي تنتهجها الدول الخليجية، ليتناقص عددهم كل عام، حتى إن عددهم في كل الدول العربية دون مبالغة (باستثناء المملكة العربية السعودية) لا يتجاوز مع أفضل التقديرات مائة عضو هيئة تدريس (مدرس- أستاذ مساعد- أستاذ).
ومع تزايد الآثار الاقتصادية السلبية لجائحة كورونا والحرب الأوكرانية وتداعياتها المقلقة، جاءت توجيهات القيادة السياسية الحكيمة بإطلاق إعارات وإجازات العاملين في الخارج حرصًا على مصالحهم، وضمانًا لاستمرار تدفق تحويلاتهم، وهو الأمر الذي استجاب له سريعًا رئيس الوزراء، فأصدر قراره (رقم ١٨٠٤ لسنة ٢٠٢٢)، حيث نصَّ فيه صراحةً على إطلاق الإعارات والإجازات للعاملين بالخارج.
ولكن، وللأسف الشديد، أبَت الخلايا البيروقراطية النائمة بالجامعات المصرية أن تنفذ القرار، لتفسد فرحة المصريين العاملين بالخارج، وتحُول دون دعمهم للخزانة المصرية، رغم أن القرار نص على استثناء أربع جهات فقط من تطبيقه (ليس من بينها الجامعات الحكومية)، مما يجعلنا نتساءل: إلى متى تظل جامعاتنا على هذا الحال، القوانين والقرارات تصدر من أعلى وحرصًا على المصلحة الوطنية، دون أن تُنفذ؟ وإلى متى ستظل الخلايا النائمة متربصة بمصلحة الوطن والمواطن؟