بقلم - حمدي رزق
لفتتنى بشدة صورة الدكتورة «منال عوض ميخائيل»، محافظ دمياط، وهى تستمع إلى خطبة الجمعة من مصلى السيدات في مسجد «البحر» بمدينة دمياط.مصادفة طيبة ولها دلالة. خطبة الجمعة التي ألقاها الدكتور «محمد مختار جمعة»، وزير الأوقاف، بحضور مفتى الجمهورية، الدكتور «شوقى علام»، تمحورت حول «حق الجوار في الشريعة الإسلامية»، استنادًا إلى قول الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن.. قيل: مَن يا رسول الله؟، قال: مَن لا يأمن جاره بوائقه».. ومؤداها شعبيًا: «النبى وصّى على سابع جار..».
الصورة لم تنَلْ حظها من الاحتفاء الواجب مصريًّا. صورة مصرية خالصة، صورة بألف مقال عامر بالمحبة بين المصريين. مصر الطيبة تصدر صورًا طيبة، عامرة بالطيبة، وعنوانها المحبة. لم يكن حضور المحافظ «منال» خطبة الجمعة جديدًا، ولا غريبًا على الأسماع. حضرت والسفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين في الخارج، خطبة الجمعة من داخل حجرة إمام مسجد «الرحمة» برأس البر. كان حضورًا جميلًا، وزادنا من المحبة بقسط وافر. المسيحيون المصريون مفطورون على المحبة، ووصية المسيح، عليه السلام، فيهم المحبة، وظهور المحافظ المسيحى في خطبة الجمعة عنوان محبة. ربنا يزيدنا محبة في وطن المحبة. تجلى هذه الصور الطيبة يمحق صورًا كئيبة كانت (فعل ماضى) خلوًا من المحبة التي جُبل عليها المصريون. الصورة تغبط المُحِبين، وتحرق قلوب الكارهين. هناك قلوب ضُربت بالكراهية. بين ظهرانينا بشر يقتاتون الكراهية، ويُصدرون الجفوة، ويظلمون ذوى القربى، ويطالعون كتاب «فقه الكراهية»!!.
عقود طويلة عبَرت تفشّت فيها فتاوى الكراهية وصدّرتها وجوه قبيحة، وألسنة حداد سلقت إخوتنا بفاحش القول، وهم بقول المولى عز وجل أقرب إلينا: «وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ. ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ» (المائدة/ ٨٢).
مقاومة آفات الكراهية التي ترعى في زراعات المحبة بطرق المكافحة اليدوية تخفف وقع الوباء الأسود. مستوجب رى الحقول استدامة بماء المحبة. الرش الأفقى من أعلى، من الرئيس السيسى عنوان المحبة، فتنزل قطرات المحبة تروى الأرض العطشى، «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ» (فُصِّلت/ ٣٩).. والمعنى في سياقنا اتساقًا، الأرض اليابسة، فإذا نزل الغيث على هذه الأرض الخاشعة اهتزت (اخْضَرّت بالنبات، وانتفخت بالخير).
مَن شابه أباه. صورة الدكتورة منال في مسجد «البحر» أثناء الصلاة تُذكرنى بصورة بابا المصريين، «تواضروس الثانى»، أثناء صلاة العشاء التي أمها الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، في افتتاح مسجد «الفتاح العليم» بالعاصمة الإدارية قبلًا. كان البابا يومها ملهمًا، والأبناء على خطى الآباء.
المحافظ «منال» تضرب مثلًا، عملت ما يُمليه عليها قلبها، ووصّاها به المسيح عيسى بن مريم، (عليه السلام). هلّا عملنا ما علينا، هلّا قمنا بالواجب، هلّا طهرنا قلوبنا، هلّا روينا الحقول بماء المحبة، هلّا تشربت الأجيال الشابة معنى المحبة، الذي يستبطنها العجائز مثلنا؟. وهن العظم واشتعل الرأس شيبًا ونحن نتوق لقطرات ندى المحبة تلمع على الورق الأخضر ساعة شروق شمس الوطن.