بقلم - حمدي رزق
قال جل وعلا: «وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ» (هود 118- 119).
فى سياق اختلاف العلماء والأئمة رحمة، تقبلت بأريحية المسلم الفطن فتوى مفتى عام السعودية الشيخ «عبدالعزيز آل الشيخ» بأن إخراج صدقة الفطر نقودًا لا يُجزئ، وزكاة الفطر تخرج من جنس طعام الآدميين من البر والأرز والزبيب والأقط وغير ذلك.. (الأَقِطُ: لَبَنٌ مُحَمَّضٌ يُجَمَّدُ حتى يَستحجِر ويُطْبَخ، أَو يطبخ به).
فتوى المبجل الشيخ عبدالعزيز تصح فى عموم المملكة العربية السعودية، لا تنسحب بالضرورة على بقية الأقطار الإسلامية، بل وتخالف فتوى دار الإفتاء المصرية فى عموم الجمهورية المصرية.
فتوى زكاة الفطر فى مصر، قال بها العلامة الدكتور «شوقى علام»، مفتى الجمهورية: «يجوز شرعًا إخراج زكاة الفطر مالًا، وهذا ما نراه أَوفَقَ لمقاصد الشرع وأَرفَقَ بمصالح الخلق، فهو الأقرب نفعًا للفقير، وبه يتحقق إغناؤه عن السؤال يوم العيد».
وكلتا الفتويين صحيحة فى شخوصها ومكانها وزمانها وأحوالها، بتفعيل قاعدة فقهية ثابتة تقول: «تختلف الفتوى باختلاف الجهات الأربع: الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، لأنه لا ينكر تغير الأحكام بتغير هذه الجهات».
الأمر ليس هكذا بالمطلق، والمراد بالأحكام القابلة للتغير الأحكام النسبية المرتبطة بتلك الجهات الأربع، والأحكام الاجتهادية التى استنبطت بدليل القياس أو المصالح المرسلة أو الاستحسان أو غيرها من الأدلة الفرعية.
والمقصود بتغير الزمان تغير العادات والأحوال للناس فى زمن عنه فى زمن آخر، وقد أُسند التغيير إلى الزمان مجازًا، فالزمن لا يتغير، وإنما يطرأ التغير على الناس، والتغيير لا يشمل جوهر الإنسان فى أصل جبلته وتكوينه، فالإنسان إنسان منذ خُلق، ولكن التغيير يتناول أفكاره وصفاته وعاداته وسلوكه، مما يؤدى إلى وجود عرف عام أو خاص، يترتب عليه تبديل الأحكام المبنية على الأعراف والعادات، والأحكام الاجتهادية التى استُنبطت بدليل القياس أو المصالح المرسلة أو الاستحسان أو غيرها من الأدلة الفرعية. (دار الإفتاء).
وتغير الأمكنة، فاختلاف البيئة له أثر مهم فى تغير الأحكام الشرعية، لأن الناس يتأثرون ببعض خصائص البيئة التى تؤثر فى تغيير العادات والعرف والمعاملات، ولذلك تظهر عيوب بعض القوانين بوضوح عند انتقالها، كما هى دون تكييف، من أمة إلى أخرى.
وقد تتدخل البيئة فى التأثير على العادات والأعراف أحيانًا، كما تتأثر البيئة بالعوامل الجوية كالمطر والقحط والحرارة والبرودة وغيرها، وهذا يؤثر فى حياة الناس وأعرافهم وعاداتهم وتعاملهم، ونتيجة لهذا التغير تختلف الأحكام، مثل اختلاف أوقات العمل على حسب درجة البرودة والحرارة، مثل ما هو الحال فى القطبين الشمالى والجنوبى (دار الإفتاء).
وفى الأخير، تبقى كلمة الإمام مالك بن أنس، ثانى الأئمة الأربعة، وصاحب المذهب المالكى فى الفقه الإسلامى، ويقرر فيها ترك الناس فى الأقطار المختلفة أحرارًا فى الأخذ بما سبق إليهم، أو اختيار ما يطمئنون إليه من أحكام مادام هدف الجميع إقامة الحق والعدل فى ضوء كتاب الله وسنة رسوله