بقلم - حمدي رزق
يقال فَارِق، ما يُمَيِّزُ أَمرًا من أَمْر، ما يميز اليوم عن الأمس، قصة الأمس، ويوم أمس، ويوم فَارِق، فرق بين الحق والباطل.
مصر الأبية، أم طرحة وجلابية، كانت مثل سفينة عتيقة أجهدتها الأنواء العاصفة، كانت في مهب ريح صرصر عاتية، ذاهبة في طريق لن تعود منه أبدًا، «سكة اللى يروح ميرجعش»، لولا رجال صدقوا ما عاهدوا الشعب عليه، منهم من قضى نحبه ومنهم من يقف زنهار مدافعًا عن أغلى اسم في الوجود.
يومها، يوم ٣ يوليو، كان فارقًا وثمنه فادحًا، ولو حسبها العاديون للحظة لغارت مياه الحياة في قرار أنفسهم، ولكن في الشعوب الأبية هناك بين الصفوف من يصلون في حبها صلاة مودع.. والهتاف موصول: نموت.. نموت.. وتحيا مصر.
وصاح من الشعب صوت طليق، قوى، أبى، عريق، عميق، يقول: أنا الشعب والمعجزة.. أنا الشعب لا شىء قد أعجزه (على باب مصر/ من كلمات طيب الذكر كامل الشناوى).
صوت عميق، صوت مصر، نطق به بطل مصرى برز من بين الصفوف، لم يكن بين يدى القائد «السيسى» لحظتها الغارقة لا وعد ولا عهد ولا ضمان حياة، يخاطر، ويركب السفينة في عرض البحر المائج، والموج عاتٍ، والسماء فيها رعد وبرق يصم الآذان وتجفل من هوله القلوب في الصدور، والأساطيل الغربية في البحار تحوم حوم الضباع تتلمظ للفريسة الثمينة.
ارتسم بطل مصرى ينفر لا يهاب، فيضع رأسه على كفه، ويقدمها، والخلصاء، قربانًا لهذا الشعب، «الاختيار» مسلسل وطنى بامتياز، والاختيار على مفرق الوطن كان من المحال.
تخيل من الخيال، ولا في الخيال، وزير دفاع لخير أجناد الأرض، يجلس في الصف الأول واجمًا، ترمقه العيون مشفقة، والقلوب ملتاعة، ويتحلق من حوله ضباع الإخوان، بابتسامة لزجة على الوجوه، واللى في القلب في القلب.
كان متأففًا يشيح بوجهه عنهم، ويأنف نفاقهم الممجوج، ويرفض عرضهم المسموم، وكان معروضًا عليه ذهب الأرض إذا رغب، وعباءة الخلافة محلاة بالقصب.. فقط يدفع الثمن، ينحاز لجماعة شيطانية اختطفت مصر في غفلة تاريخية من أهلها.. فأبى.. وخرج إلى شعبه في خطاب بليغ، أن أعينونى على القرار العظيم.
يومها، يوم ٣ يوليو، كان الوطن على شفا جرفٍ هارٍ، ومزمار الشيطان يعرف لحن الغواية، بَرَز الثَعلَبُ يَومًا في شِعارِ الواعِظينا، سارحًا بين الخلائق مبشرًا بـ«طائر النهضة»، ثم ينام ملتاثًا في فراش المرشد، بعضهم كانوا يختانون شعبهم في المضاجع الإخوانية ليلًا، ويُصبحون مترعين منتشين من خمر الخيانة، وصباحًا يرسمون البطولة الثورية على الوجوه، وياما وجوه ارتسمت علينا نضالًا.
وفى لحظة تاريخية، والشعب غاضب، وينادى على جيشه أن انتفض، لا يلوى القائد على شىء، لا على حياته، ولا على أولاده، ولا شىء بالمرة يخشى عليه سوى تلبية النداء، وهو يعلم أن الفشل (لا قدر الله...).
وبشجاعة أخذ الكتاب بقوة، وفى بيان تاريخى يبشر الشعب بالخلاص وقد كان..
معلوم الشجاعة ليست مجرد إحدى الفضائل، بل هي هيئة كل فضيلة وقت الاختبار، والاختيار.