بقلم - حمدي رزق
لفتنى الدكتور «على السلمى»، أكرمه الله، إلى تقرير أعدته وأذاعته قناة «بى بى سى/ عربى»، يوم الجمعة الماضى.يناقش التقرير قضية منع المحجبات من دخول بعض الأماكن العامة فى مصر، وكلفت القناة «محجبة» بتحرى المنع فى نحو (١٥ مكانًا) يُشاع أنها تمنع المحجبات.
التقرير يبان من عنوانه على موقع «نبض» الإخبارى، نصًّا: «القانون المصرى يمنع التمييز على أساس الدين أو العرق، لكن (بى بى سى) حددت أماكن فى البلاد (مصر) ترفض دخول نساء محجبات فيها»!!.
بعد مشاهدة التقرير لمرات، وهو قصير جدًّا (٣.٣٢ دقيقة)، لم يُشِرْ من بعيد أو قريب إلى عنوان يُذكر، ولا إلى مكان بعينه، طيب «فين الأماكن، فين العناوين، فين المنع، فين التعليمات، فين التقرير أصلًا؟!»، مشاهد تمثيلية سخيفة، لم يَرِد على لسان أبطالها عنوان أو مكان فى زمان.. فقط تصوير ليلى للإيحاء بالمأساة التى تعيشها المحجبات فى مصر تمييزًا!!.
التقرير الموهوم يرمى إلى تمييز حادث فى مصر يستهدف المحجبات، وانتهى كما هو مُذاع إلى أن المنع المقصود، تحديدًا، فى جلوس «المحجبة» على «البار» أو قريبًا منه فى الأماكن السياحية التى تقدم الكحوليات. ومنسوبًا إلى تعليمات وزارة السياحة ومحاضر وغرامات أن «السياحة» قطعت عبر مسؤوليها فى ذات التقرير بعدم وجود مثل هذه التعليمات قطعيًّا طوال عهود لأنه تمييز مرفوض دستورًا وقانونًا.
التقرير فشل تمامًا فى توكيد ظاهرة منع المحجبات التى تشيع فى الفضاء الإلكترونى، وتُضخمها وسائل التواصل الاجتماعى على نحو يشير إلى ظاهرة تعتمل فى باطن المجتمع المصرى.
والسؤال الذى طرحته «بى بى سى» عنوة، وبأرقام جزافية (١٥ مكانًا)، وعلى لسان إحداهن مُنعت (للمرة الستين) من دخول بعض الأماكن لأنها محجبة.. هو: هل تواجه المحجبات فى مصر تمييزًا يتجسد منعًا من ارتياد بعض الأماكن والمحال العامة؟!.
إذا حدث، فقد يكون حادثًا نادرًا وفرديًّا، ويحتاج إلى «مُتَحَرٍّ» جاد ليُحققه، ليس على طريقة مُحقِّقى الـ«بى بى سى»، ويتطلب احتراسًا واحترازًا فى المبالغات.
أخذًا بالأحوط، ومن باب بلى ولكن ليطمئن قلبى، ضرورى توقِّى وزارة السياحة مثل هذه الممارسات التمييزية، التى حاولت «بى بى سى» الإشارة إليها دون تدقيق كافٍ، أو إيراد أمثلة واقعية.
وفرصة وسنحت لتوكيد رفض التمييز بسبب الجنس والدين واللون وحتى اللباس، فحق المحجبة مثل حق كل النسوة فى ارتياد الأماكن العامة، وفى مجتمع أغلبية نسوته محجبات، يصعب التمييز تجاه المحجبات.
عكسًا، الحديث متواتر عن تمييز ما، تجاه غير المحجبات، بفعل ماكينة متشددة تعمل على مدار الساعة تقبيحًا لغير المحجبات، تصفهن بـ«السافرات»، وتحض على الحجاب مستغلة أعمدة النور والحوائط لتعليق لافتات تُحبذ وتُحبب الحجاب، على طريقة «حجابى به تحلو حياتى»، و«حجابى عفافى»، وفى قول آخر «حجابى سر عفافى»، بين ظهرانينا جماعات تتبضّع الحجاب بضاعة بين عموم النساء وبألوان فاقعة فى الغالب للفت الأنظار!!.
تقرير «بى بى سى» يصب فى الحملة التى تُشيِّرها منصات إخوانية وسلفية تتهم الحكومة بما ليس فيها، تارة بتأميم المساجد، وتارة بالتضييق على مَن يسمونهم «الإسلاميين»، وتارة بمنع الحجاب، ومحاربة النقاب، وهذا جميعه من قبيل الزيف الذى لا ينطلى على العقلاء، وفى البيت المصرى محجبات ومنتقبات وسافرات، وعايشين مع بعض سمن على عسل أبيض.