بقلم - حمدي رزق
احتراز وجوبى، لا تعاطف مع قاتل، ولا تعليق على حكم الإعدام الصادر بحق قاتل طالبة المنصورة «نيرة أشرف»، القصاص مستوجب.وبعد.. لتأذن المنصة العالية بمناقشة دعوتها إلى الإعدام علنًا.. من الحيثيات المنشورة «تهيبُ المَحكمةُ بالمشرع، أنْ يَـتَـناول بالتعديل نص المادةِ الخامسة والستين من قانون تنظيم مراكز الإصلاح والتأهيل المُجتمَعى المُنظمة لتنفيذ عُـقوبة الإعدام؛ لِتُجـيز إذاعة تنفيذ أحكام الإعدام مُصورة على الهواءِ».
القاضى الجليل طرح مطلبا، فليفسح من صدره سعة لمناقشة مطلبه، ليس من الباب القانونى فلست فقيهًا، ولكن من باب المُوَاءَمة المجتمعية، الفزع والرعب الذي خَلَّفه ذبْح المغدورة لا يعالج بفزع أكبر، على طريقة «رعب أكبر من هذا سوف يجىء»، القصاص عدل، ولكن القصاص علانية يرفع منسوب الرعب في المجتمع الذي يعانى من كوابيس سفك الدماء.
لم أهضم هذا المطلب في الحيثيات، وتَملكنى رعب شديد، مشهد غرفة الإعدام سينمائيا، وعشماوى يتجهز بـ «حبل المشنقة» ترتعد منه الفرائص، ما بالك بتنفيذ الإعدام شنقًا على الهواء.. تشيب من هوله الولدان!.
معلوم، الأجواء ملبدة بمطالبات مجتمعية ملحة في الردع ولجم العنف وسفك الدماء، ولكن الإعدام علانية ومذاع على الناس لا يُردع قاتلا، ماذا يضير القاتل بعد الحكم بإعدامه، ولكن يخلّف رعبًا مجتمعيًا لا نحتمله إنسانيًا؟!، وهل موافقة القاتل على إعدامه علانية مستوجبة؟، وماذا إذا رفض إذاعة إعدامه؟، القاتل له حقوق حتى وهو في أيدى عشماوى، آخر طلب عادة مجاب طالما لا يخالف قانونا، عادة ما يسألونه.. نفسك في إيه؟!
قياس تأثير الإعدام علانية أخشى ليس في صالح هذه الدعوة، وقياسات جدية للرأى العام قد توفر رفضا. يقينى لم نفقد إنسانيتنا بعد، ولم تتصحر نفوسنا بعد، ولم تتوحش بعد.. فإذا استوحش نفر من البشر وخرجوا عن الطور الإنسانى وصاروا وحوشا متعطشة الدماء، فلا يسحبوننا إلى الغابة الموحشة التي تعلق فيها الرقاب على الأشجار!.
أتفهم النزوع الإصلاحى لسيادة القاضى، وهو ظاهر وجلىّ في الحيثيات، واعتناقه فكرة «جزاء وفاقا» منطقى، وهو من طالع أوراق القضية ولمس الحقد الدفين الذي استبطنه القاتل، ولكن الذهاب إلى أبعد من القصاص، وكما كان ذبح المغدورة على الملأ، فيكون إعدام القاتل على الملأ، عبرة وعظة أخشى منهما على سلامة المجتمع نفسيًا. شيوع الإعدامات بإذاعتها لن يخدم الهدف الإصلاحى الذي يرومه القاضى الجليل.. وماذا عن أسرته؟!، ستظل تقاسى مشهد الإعدام طويلا، وماذا عن الأمهات والشباب والأطفال في قعور البيوت يتداولون فيديو الإعدام لأجيال؟!؟
لقاضى الجليل يخشى مجتمعيا، من الحيثيات «لمَّا كان قــد شَاعَ في المُجتمع ذبحُ الضحايا بغَـير ذَنبٍ جَهارًا نهارًا، والمَهوسُـونَ بالمِـيديا يـَبثُون الجُـرمَ على الملأ فيرتاع الآمنون خوفًا وهَـــلعًا، فمِـن هذا المنطلَـق، ألَـم يأنِ للمُـشرع أن يَجعلَ تنفيذ العقابِ بالحَق مَشهودًا، مِثلما الدم المسفوحُ بغير الحَـقِّ صَار مَشهودًا؟!».
التوصية في الحيثيات المنشورة يجافيها منطق يقول برفض الإعدامات علانية، ففضلًا عن كونها سابقة غير مسبوقة، ستذهب بنا في طريق موحش، العالم من حولنا يأبى الإعدامات، ويتحسب منها، ويقلصها إلى حدودها الدنيا.. أخشى نُدان على صنيعنا ونصبح على ما فعلنا خاسرين الإنسانية التي جُبلنا عليها.