بقلم - حمدي رزق
«إن روح رمضان، فى هذه الأوقات العصيبة، هى منارة للأمل، وتذكير بإنسانيتنا المشتركة، فلتكن هذه الروح مصدر إلهام لنا جميعًا من أجل تضميد الانقسامات، ودعم المحتاجين، والعمل ككيان واحد من أجل سلامة وكرامة كل فرد من أفراد الأسرة البشرية».
أعلاه ليست خطبة رمضانية من شيخ وسطى فى مسجد كبير فى عاصمة إسلامية عريقة، لكنها كلمات صدرت من «أنتونيو مانويل دى أوليفيرا غوتيريش»، أمين عام الأمم المتحدة، بمناسبة حلول شهر رمضان.. ختمها بـ«رمضان كريم».
«غوتيريش» يتنسم روح رمضان التى تترجم رحمة وكرمًا وعطاء وأمنًا وسلامًا، يناشد الضمير العالمى احترام روح رمضان بإسكات المدافع وإزالة جميع العقبات لضمان إيصال المساعدات المنقذة للحياة إلى المنكوبين فى غزة.. ويختم برجاء: «لعل هذا الشهر الفضيل يجلب لنا السلام، ويكون هاديًا لنا نحو عالم أكثر عدلًا ورحمة».
رجل عنده ضمير، يصدق فى «غوتيريش» القول «لو أراد الرجل أن يكون شجاعًا فليقم بمطاوعة ضميره»، وحكيم مجهول ينصح: «لا تصمت عن قول الحق مهما كان مُرًّا، فعندما تضع لجامًا فى فمك سيضعون سرجًا على ظهرك...».
«غوتيريش» لا يطيق لجامًا على فمه، ويصرخ فى الضمير العالمى: «القانون الإنسانى الدولى أصبح فى حالة يُرثى لها»، يحذر من مقبرة فى رفح تجاوز مقبرة غزة، يخشى دائرة أعمق من الجحيم، نصًا يقول: «ومن الممكن أن يؤدى التهديد بشن هجوم إسرائيلى على رفح إلى دفع أهل غزة إلى دائرة أعمق من الجحيم».
الأمين العام يستبطن الأمانة التى يحوزها، ويصدح بها، لا يخشى صقور مجلس الحرب الإسرائيلى، ولا صهاينة البيت الأبيض، ورغم الضغوط الدولية للجمه لكنه يزعق فى حكومات العالم لإنقاذ أطفال غزة سيما فى رمضان.
«غوتيريش» برز فى حرب غزة بوجه مغاير لما ألفناه سابقًا من الأمناء العامين للأمم المتحدة، كان بعضهم يتدارى خجلًا ويلجم فمه، وبعضهم كان يكتفى بالإدانة الخجولة، فحسب يسجل موقفًا، لكن «غوتيريش» تحلى بالإنسانية قبل الشجاعة.
ورغم حملة الترهيب الإسرائيلية التى بلغت حد الابتزاز السياسى الرخيص، وضغوط العواصم الكبرى، سيما الضغط الأمريكى، ليصمت تمامًا عن هول ما يرى، لايزال السياسى البرتغالى المخضرم مُصرًا، يصدح بحجم المأساة الإنسانية فى غزة.
ورغم لغته الدبلوماسية التى هى من مسوغات وظيفته، فكلماته ذات الطابع الإنسانى لها وقع ثقيل على قادة الحرب البربرية، نصًا يقول: «مع الأسف سيحتفل الكثيرون بشهر رمضان وهم يقاسون ويلات الصراعات والتشرد والخوف. دعونا لا ننسى أنه بعد شهر رمضان سيحتفل المسيحيون قريبًا بعيد الفصح، ويحتفل اليهود بعيد الفصح فى إبريل...»، كيف سيحتفلون؟!
يحاولون إسكاته بشتى الطرق، ولكنه ماضٍ لا يلوى على شىء، ولا حتى منصبه، ماذا يفيد المنصب الرفيع إذا تخلى عن واجبه الإنسانى؟ ندرة من الرجال، موقفه أهم من منصبه، ويُسخر منصبه للوقوف فى وجه الظلم والطغيان.
يصدق فى الرجل «أنتونيو مانويل دى أوليفيرا غوتيريش» قول «أبوالعلاء المعرى»: «وجدتك أعطيت الشجاعة حقها»، وبتصرف نقول «وجدتك (غوتيريش) أعطيت الإنسانية حقها».