بقلم : حمدي رزق
اجتهدت كثيراً فى التعرف إلى اسم والدة الشهيد أندرو ألبير، يكفيها فخراً أنها أم الشهيد وكفى، وأفصحت عن سرها الصغير: «رأيته يرتدى تونية بيضاء، وقال لى لا تحزنى، وأخبرنى أنه لم يشعر بأى ألم أو عذاب، لكن فجأة لقيت روحى طالعة للسما، وقال لى: كل اللى عاوزه انكم تذكرونى على الأرض وأنا هصلى ليكم فى السما».
التونية هى الثوب الأبيض من قماش مطرز بالصلبان على الأكمام والصدر والظهر، ويرتديها الكاهن، وتكون التونية واصلة إلى القدمين وعريضة على الأكتاف لتُذكِّر الكاهن بأن يكون رحب الصدر واسع البال وديعاً حليماً وأن تكون أفعاله طبق مشيئة الله.
ورأت الأم المصرية القوية الصابرة ابنها فى تونية، وجاءت لتذكره فى الأرض، على وعد منه أن يصلى لها وللأحبة فى السماء. الصعيدية التى جاءت ترتدى لباسها الأبيض، فرحة باستشهاد ولدها، طاولت الجبال رسوخاً، وعانقت السماء رفعة، وألقت علينا من صبرها دروساً فى الإيمان والشكر.
تقول الكبيرة: «أنا فخورة انه بقى شهيد، كل ما أمشى فى الشارع بارفع راسى ويقولولى ده انتى أم الشهيد، أنا باشكر ربنا على اللى أنا فيه»، تعلق صورة الصغير «أندرو» على صدرها فخورة، صورة «أندرو» تُفرح القلب الحزين، صورة لابن من أبناء هذا الوطن، الذى تكتحل عيناه بصور الشهداء.
لله در شبابنا فى استشهادهم درساً بالدم، لا فارق بين مسلم ومسيحى، ما لم تفرقه الحياة لا يفرقه الموت فى سبيل الوطن، نزف إلى السماء محتسبين الشهيد البطل «أندرو» والشهيد البطل خالد مغربى، خالد دبابة، واحنا غلابة قوى أمام تضحياتهما العظام.
جيش الشهداء مؤلَّف من كل المصريين، كلنا جنود، وضريبة الوطن يدفعها عن طيب خاطر المصريون جميعاً، المشهد فى تجلِّيه آية، والشهيد «أندرو» جنب الشهيد «شبراوى»، فى سيناء الكل فى واحد، أولادنا فى سيناء ليسوا فى نزهة خلوية، وكل منهم يتشهد إذا أقبل المساء وأرخى سدوله، وإذا أصبح الصباح، وما الإصباح منك بأمثل، زادهم وزوادهم الشهادة فى حب الوطن، لا يفرق فى حب الشهادة عميد وعريف، مسلم أو مسيحى، شهادتهم تفجر فينا كل ما نسينا من معنى أن الكل فى واحد.
صندوق أندرو ألبير جنب صندوق شريف عمر ملفوفان بعلم مصر، مواكب الشهداء تؤذن عليها المساجد عالياً وتدق لها أجراس الكنائس، تزفها، صعد «أندرو» و«منسى» إلى السماء معاً، كما خدما معاً فى حب الوطن، تقاسما اللقمة، وشربة الماء، ونومة فى الخلاء، وواجباً يؤديانه قربى إلى الوطن، من ذا الذى يفرق بينهما فى الشهادة، الشهيد حبيب الله.
توقفت لبرهة وأنا أطالع أسماء الشهداء تُتلى على الشعب بفخار، وفاض الدمع منى، يا رب كما جمعتَ المسلمين والمسيحيين فى هذا الوطن على الحب، وجمعتَ بين «أندرو» و«منسى» فى الشهادة، اجمعنا على الحب، الحب نعمة مش خطية، شبابنا يُستشهدون محبة فى تراب هذا الوطن.
فى مصر التى أعرفها أم رائعة مثل أم أندرو ألبير، ليتنى تعرفت على اسمك وقبلت رأسك، وأم رائعة مثل «إيمان»، أم شريف عمر، ربنا يصبّرها، أُمّان تزفان عريسيهما إلى السماء، فى مصر التى أعرفها ولا يعرفونها الكنيسة قبالة المسجد، والمئذنة فى عناق مع المنارة، والشيخ فى وصال مع القسيس، وبيوت المصريين عمار بالحب.
شهادة أندرو كما شهادة خالد وعلى وعرسان، وسبقهم الشهيد البطل عبدالمنعم رياض، وترك لهم يوم الشهيد ليخضبوه بالدماء الطاهرة، شهادة لمَن ألقى السمع وهو شهيد على لحمة هذا الوطن، وما جمعه الله لا يفرقه كُهّان الفتنة والفرقة، ومهما أطلقوا من فتاوى لا تخترق درعاً، ولا تصيب هدفاً، خابت سهامهم، طوبى للشهداء.
نقلاً عن المصري اليوم