بقلم:حمدي رزق
«إن الله سمح بانتقال هؤلاء الأبناء وهم يصلون في الكنيسة، وفى فترة (صوم العذراء)، وهو أمر يعطينا تعزية خاصة. العدد الكبير لمن انتقلوا إلى السماء يدفعنا لأن نتطلع دومًا نحو السماء حيث مسكنهم، ويصبح قلبنا متعلقًا بالسماء». من تعزية البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية لشعب الكنيسة، على قناة «مارمرقس» القبطية.
كلمات عميقة تلخص لحظات حزينة مرت كدهرٍ على بابا مصر، قداسة البابا تواضروس الثانى وهو يتابع متألمًا حريق كنيسة «أبوسيفين»، ويتلقى التعازى من داخل وخارج مصر في شهداء كنيسة «أبوسيفين».
كلمات تعزية أبوية تعبر عن عِظم الفقد الذي أحسه البابا وهو يقف على رأس شعب الكنيسة المحزون، يواسى ويعزى ويطبطب ويبلسم الجراح، ويمسح العيون المبللة بالدموع.. قلب البابا يبكى أحباءه الذين ارتقوا إلى السماء في «قداس الأحد» وهم صائمون، صوم العذراء المبارك.
البابا تماسك وصلب طوله ووقف بقامته المديدة كعمود الخيمة يزرع في شعب الكنيسة الأمان، ويفرد عليهم الطمأنينة، ويقويهم، ويوصيهم بالصبر والصلاة والإيمان للمرور من برزخ الأزمة إلى شعاع ضوء يولد في رحم الغيب، يرونه بعيدًا ويراه قريبًا.
وكأنه قَدَر ومكتوب أن يُشيّع فلذات القلوب زُرافات وقلبه يبكى، ومطلوب من قداسته أن يكتم حزنه في قلبه ويخفى دموعه عن الأعين الفاحصة المتفحصة، وأن يداوى قلبًا نازفًا بكلام طيب، ويظهر على العامة جَلِدًا واقفًا على قدمين ثابتتين ليشد أزر الشعب ويخرجهم من بحر الحزن الذي احتواهم بأمواجه الثقيلة.
البابا مثل «رهين المحبسين»، حزنه الذي حش وسطه، وواجبه أن يصلب طوله ويقف صلبًا يلم شعبه من حوله حتى لا تتخطفهم الطيور الجارحة التي تنقض في مثل هذه اللحظات الأليمة تروم مغنمًا.. يحذر شعبه، حذار.. لهم فيها مآرب أخرى.
البابا يتألم لألم الطيبين، دفقة حزن إضافية تثقل قلبه، وحمولة ألم إضافية فوق كتفيه، فلتسمعوا البابا، والنداء لشعب الكنيسة في قلب الشعب المصرى، ولتنصتوا إلى حكمته في قلب المحنة، حكمة السنين التي عَلّمت في جسد الأقباط.
البابا يقول لكم، الحزن مصرى، والألم مصرى، وعدوكم يتربص بكم جميعا، سدوا الفُرج بين المسلمين والأقباط حتى لا ينفذ منها الشيطان، البابا يهش الغربان السوداء بعصاه، ويلم شعبه تحت جناحه، ويحتوى في أحضانه الحزانى، ويفرد رداءه الكهنوتى للثكالى واليتامى والمجروحين، ويعلو فوق الألم، ويرتقى فوق الأحزان، ويقول فينا قولًا حكيمًا.
الحدث جلل، والحزن عميق، والبابا حزين، ودموعه تنزف، ولكنّ إيمانه عميق، يراهم صعودا إلى السماء، يتعزى، يعزى نفسه، ويعزى شعبه، البابا بالتفاف شعب الكنيسة من حوله، وتحويط الشعب المصرى من حول الكنيسة.
رسالة تُقوّى البابا وتعينه وتصلب طوله في مواجهة الألم، وقبل الألم العدو الرابض في الدغل يروم قسمة الوطن، ويضرب في أساسات وحدته الوطنية، ويستهدف تمزيق النسيج المجتمعى الذي حمى الوطن من الفتنة قرونا.
البابا بحكمته يعرف من أين تهب الريح الخبيثة، وكلما أغلق بابًا التفوا كدومات الشيطان، كلاب النار تنبح على الكنيسة، فلتهشها قداسة البابا عن المنارة، واضرب في الأرض بعصاك تقطع ذيول الفتنة، الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.. ولتُدوِّ في ربوع المحروسة أجراس الكنائس تعلن مصر وطنًا يعيش فينا.