بقلم - حمدي رزق
تخَيّل من الخيال المُحلق فضائيًّا، BBC تخصص حلقة من برنامجها «بتوقيت مصر» لتغطية فعاليات إضراب صحفييها فى مكتب القاهرة.. لو حدث، يا سلام على المهنية والتقاليد المرعية.
أخبرنا الصديق «محمد الجارحى»، عضو مجلس نقابة الصحفيين، الذى شارك تضامنيًّا فى الإضراب:
«ظهرت مقدمة البرنامج على الشاشة لتشق صف المضربين، وعلى طريقة (على بابا) لم تجرؤ على الظهور من استديو القناة فى الطابق الثالث، وإنما طلّت من استديو مؤجّر فى الطابق الـ١٩ لأن كل المصورين والفنيين وطواقم الإعداد مضربون عن العمل»!!.
لو حدث مثل هذا الإضراب فى صحيفة أو فضائية مصرية، لكانت بقت ليلة سودة فى الـBBC، وزعيق على الحقوق المهنية، وتضامن مع المضربين، وبالمرة إدانة «الحكومة الكمعية».. نفس الأسطوانة المشروخة من فرط الاستخدام المفرط.
إضراب سبعين من العاملين فى مكتب BBC فى القاهرة لا يشغل بال الإدارة اللندنية، ولا تلقى بالًا لمطالبهم المشروعة، بل تتحايل على استمرار العمل بمكتب القاهرة من شقة مخفية.
لن أتحدث عن المهنية، أتحدث عن حقوق مشروعة، وهضم حقوق. العاملون مارسوا إضرابًا لثالث مرة رفضًا للسياسات التمييزية فى الأجور وظروف العمل، إضراب مشروع حضره تضامنًا نقيب الصحفيين، (خالد البلشى)، و(محمود كامل ومحمد الجارحى) من أعضاء مجلس النقابة دفاعًا عن حقوق الزملاء، وبعضهم أعضاء فى النقابة.
لماذا هذا التجاهل من إدارة BBC إزاء مطالب مشروعة يجب التوقف أمامها ودرسها، والرد بواقعية عليها فى إطار حوار شفاف، لكن تجاهلها هكذا لا يليق بالمؤسسة ذات الصيت والغنى، لو حدث مثل هذا الإضراب فى مكتب BBC فى جزر الكنارى لسعت الإدارة اللندنية لبحث أسبابه.
العاملون بمكتب القاهرة ليسوا أبناء «البطة السودة» وليسوا أقل من نظرائهم فى مكاتب BBC حول العالم، ومستوجب تحسين أجورهم وبيئة العمل، لم يطلبوا حقًّا غير مستحق، ولم يغالوا فى طلباتهم المشروعة، وتعاملوا بشياكة مهنية خشية على مورد رزقهم الوحيد.
لماذا هذا العند والعنت، لماذا هذا الكبر والاستكبار؟، النقابة تضامنت ببيانات ومشاركات فى فعاليات الإضراب، ولكن هناك جهات مصرية عليها واجب التحرك. الهيئة العامة للاستعلامات، وإدارة الإعلام الخارجى، مستوجب منهما وقفة مع مسؤولى مكتب BBC فى القاهرة تواصلًا مع الإدارة فى «لندن» لبحث حلول توفيقية تضمن حقوق الزملاء.
انفضاض الجماعة الصحفية والحقوقية إلا القليل عن الإضراب والتشاغل عنه يثير تساؤلات مزعجة، الـBBC ليس على رأسها ريشة، ولا تملك أقوات الناس، والظهور فى الـBBC ليس مغنمًا يُخشى عليه من التضامن الصحفى والإعلامى، والوقوف بموضوعية مع حقوق الزملاء السبعين لا يكلف جَرّة قلم، لكن تركهم عرايا من الدعم المهنى هكذا فى مواجهة إدارة تعيش دور إدارة المستعمرات البريطانية الغابرة ثقيل على النفس.
وأين جماعتنا الحقوقية، التى تزعق على الحقوق والحريات على مدار الساعة، لماذا لم تصدر بيانات تصدرها هكذا كزخات المطر فى حالات القهر الحقوقى، أليس هؤلاء مواطنين مصريين تُسلب حقوقهم ويُلقى بهم فى عرض الطريق، فقط لأنهم يطالبون بالمساواة مع نظرائهم فى مكاتب BBC حتى فى الدول العربية الشقيقة؟. لا أسكت الله لكم صوتًا.