بقلم:حمدي رزق
وسألنى صديق أريب: لماذا كثرت كتاباتك الكروية أخيرًا، ونحن ننتظر منك كتابات سياسية واقتصادية واجتماعية، هل الهروب إلى الكرة صار طقسًا لطيفًا؟!.. أتابع كثيرًا من الكتاب الصحفيين والمحللين السياسيين المعتبرين، يكتبون فى الكرة.. ضاحكا.. يلهون ويتلهون بمداعبة الكرة المنفوخة ذات الجلد الأملس!.يا صديقى الحاذق الساخر، لا هو لهوٌ خفىّ ولا تلهٍّ مقصود، ولا نملك رفاهية مداعبة الكرة وقت الفراغ.. فقط عندما تتجاوز الكرة الخطوط الحمراء، عندما تهدد الكرة المجتمع بالفتنة، عندما يفتتن الشباب من حول الأحمر والأبيض ويتراشقون بخشونة، عندما تتحول الكرة إلى «خميرة عكننة» تكدر صفو الناس فى قعور البيوت وتشيع بينهم الكراهية والبغضاء والعنصرية والطائفية الكروية.. يستوجب التوقف. كتابك تبينا لمآلات الأمور فى الملاعب.
عندما تنحرف الكرة عن المرمى وتصيب العقل الجمعى فى أعز ما يملك من قيم أخلاقية وإنسانية سامية، تستلب المحبة المفقودة التى تترجم رياضيًا بـ «الروح الرياضية»، عندما تغيب الروح.. يتهالك الجسد ويسقط فى حفرة عميقة.
عندما تصدم الكرة وجه المجتمع فتصيبه بدوار، فيفقد العقل الجمعى اتزانه، فتفقد المنظومة الرياضية الرشد والعقلانية، وتصبح الكرة إحدى القلاقل المجتمعية، وتشكل خطرًا على النسيج الاجتماعى، تمزق بعد أن أصابت الكرة وجه الوطن مباشرة.
جد نعانى دوارًا.. وتشيه الصورة، صورة وطن صاحب حضارة عريقة موغلة فى القدم، نعانى فقدانا مؤقتا للذاكرة الرياضية التى جمعت بين عظماء اللعبة فى صور راقية خلال عقود مضت.
عندما تصبح الشعارات المرفوعة فى المدرجات عنصرية فوقية، وكلٌّ يعلى على الآخر، يسحقه تحت الأقدام.. وكلٌّ يزايد على الآخر، يمحقه محقا بلا رحمة.. وكلٌّ يتعصب لفانلة تعصب القبائل المتناحرة على الماء والكلأ.. تناحر وتقطيع هدوم، وتمزيق وجوه، والتنابز بالألقاب والنعوت والصفات!!.. يوم يمشى كلٌّ وراء راية عَمِيَّةٍ، يغضبُ لعَصَبِيةٍ، أو يَدْعُو إلى عَصَبِيَّةٍ، أو ينصرُ عَصَبِيَّةً، ويُقبّل علم النادى مكايدة، ولا يقف «زنهار» للعلم الوطنى، ويهتف لفريقه ويصمت (وهذا أهون الفعل) عند السلام الوطنى.
عندما يتسلل بين صفوف الجماهير المتحمسة دعاة الفتنة، والإخوانجية، والسلفنجية، يرومون مغنما، ينسلون لإشعال الحريق الكبير، ويفتنون الجماهير، ويشيعون التعصب، يطلقونها كرة ويبغونها سياسة، يلعبون السياسة بالقدم هذه المرة.
عندما تصبح الساحة الكروية «سداح مداح»، لا ضابط ولا رابط، ولا قانون، وتسود روح همجية بغيضة، وتنفجر البلاغات صاخبة فى وجوه الجميع بما تحويه من أذى، وتمتلئ قاعات المحاكم بالقضايا، ويستهلك المجتمع قواه الناعمة فى معركة كسر عظم رهيبة، نخسر فيها كثيرا، نخسر الجلد والسقط كما يقولون.
نكتب فقط لإيقاظ الغافلين عن فتنةٍ وقودها الناس والحجارة، المشرحة الكروية مش ناقصة، لا نكتب ناقدين كرويين، لا عن خطط لعب، ولا عن تكتيكات، ولا الهجمات المعاكسة، ولا لنا نصيب من التحليل الرصين الذى يمتلكه كبار نقادنا الأجلاء، الكبير حسن المستكاوى نموذج ومثال.
نكتب عن مخطط الفتنة.. تسلل الإخوان بين الصفوف، لجم التعصب، نبذ العنصرية، وخطر الطائفية الكروية.
نكتب من أرضية وطنية، كتابة سياسية، بعد أن طاشت الكرة فعبرت الخطوط الحمراء فأصابت أهدافا سياسية ليست مخفية، فقط ننور عليها من باب الحيطة والحذر والخشية والخوف على وطن يعيش فينا جميعًا.