بقلم : حمدي رزق
بتُّ أخشى ولُوج «الفيسبوك»، كلما فتحته تصدمنى متوالية التعازى الحارة، كل ينوح، وكل يشاطر العزاء، باتت الصفحة حزينة، متشحة بالسواد.
تتلاحق أنفاسى، ويدق قلبى سريعًا خشية يكون بينهم حبيب رحل، يقطع بى فى هذه الأيام الموحشة، الفيس صار صفحة وفيات سوداء.
كل يعزى، وكل يشيّر، وكل يتذكر.. اذكروا محاسن موتاكم..
وفيات الفيس تجلّل الأجواء الحياتية بالسواد، أجواء اكتئابية مقلقة، رائحة الموت تعبّق الفضاء الإلكترونى، ومن الفيس لتويتر يا قلبى..
أرقام وفيات الفيروس تحولت إلى أسماء وصور، حاجة تقطع القلب، لفتنى هذا الذى يحدث على مدار الساعة، ويلوّن حياتى صباح مساء باللون الأسود، صار الموت محيطًا بالعباد، سبحانه وتعالى يسبب الأسباب.. وكل نفس ذائقة الموت، وكل من عليها فانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
صفحة الفيسبوك احتلت مكان «وفيات الأهرام» فى الإخبار عن الوفيات، وصارت حائط مبكى الخلّان، وتبوأت مكانها باعتبارها صحيفة الوفيات المعتمدة مصريًا.
صفحات الفيس لم تعد تمرر وفاة فى بر مصر دون إعلان، شئت أم أبيت فيسبوكيًا، وبين طرفة عين وانتباهتها يتغير مود صفحتك من حال إلى حال، وسيل عرم من التعازى، لا يكلف صاحبها سوى حروف تكتب بمداد أسود، والجمل ناعية، واللوحات مطرزة بالآيات تحيط صور الراحلين، وأنتم السابقون.
مع هجمة الجائحة فى موجتها الثانية والأعنف، بات صعبًا على الكثيرين (وأنا منهم) دخول الفيس، خشية خبر وفاة يهزنى من الأعماق، وكلما هممت بالتصفح ومتابعة الأحوال، صدمتنى أخبار الوفيات، وكأنك داخل على بيت فيه عزاء مقيم تتحسّب، وتتعوذ، وتترحم قبل الدخول.
أعرف أناسًا يفتحون الأهرام على صفحة الوفيات التى كانت تتمدد أحيانا إلى صفحات مجللة بالسواد، مع قهوة سادة، ويهزون رؤوسهم، ويتمتمون إيييه، حال الدنيا، كلنا لها، البقاء لله.
ولكن صفحات الفيس اللانهائية باتت مرهقة للأعصاب الرقيقة، والنفوس المستبشرة.
صحيح الموت علينا حق، ولكن الوفيات سوّدت الفيس، صار الفيس ناعيًا باكيًا معزيًا، على مدار الساعة وفيات وفيات، ليس فيه خبر ميلاد، ونادرًا أن تصادف خبر زواج مبارك، كل هذا السواد فى زمن الجائحة، وكما يقول رب العزة: «لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ».