بقلم:حمدي رزق
مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعى أقلق راحة الطيبين، فيديو مؤلم يصور واقعة تعدى اثنين ضربًا بعصا على جسد طفلة مُكبَّلة من يديها وقدميها!!.
النيابة العامة رصدت المقطع، وبفحص الواقعة توصلت الشرطة إلى تحديد مرتكبيها، فتولّت النيابة التحقيق، وسألت الطفلة، المجنى عليها، التى تبلغ (١٧) عامًا من العمر، عما حدث لها من تكتيف وتكميم وضرب وإهانة.
شهدت الطفلة بأن الواقعة قد حدثت بالفعل منذ حوالى العام ونصف العام، إذ هربت من مسكن ذويها، فأثار ذلك حفيظتهم، فحرضت والدتها وخالها زوج شقيقتها وشقيقها على تكبيلها والتعدى عليها ضربًا، والغريب أن شقيقتها هى مَن صورت ووثّقت الواقعة بهاتفها المحمول، لكن تسرب المقطع المصور إلى غابة «فيسبوك» الموحشة.
مستوجب التوقف أمام هذه الحادثة المستنكرة، كيف سوّلت لهم أنفسهم (الأسرة) هذا الصنيع، الذى يجافى قواعد التربية والتنشئة خلوًا من العطف والرحمة، جالهم قلب، قسَت قلوبهم للقيام بمثل هذا السلوك العدوانى؟!.
مثل هذا السلوك العدوانى لم تألفه الأدبيات الأسرية قبلًا. البيوت تصطخب صياحًا يتسمّع به الجيران فى آخر الشارع: شخط، نطر، ضرب، عنف، إيذاء بدنى يصل إلى حدود القتل أحيانًا تحت زعم «الشرف»، فى ترجمة إجرامية لبيت شعر المتنبى «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى.. حتى يُراق على جوانبه الدمُ»!!.
لافت وجدير بالاحترام قرار النيابة العامة، فرغم تنازل المجنى عليها عن حقها خشية على أسرتها، أمرت النيابة بإيداع شقيق المجنى عليها، (طفلة الإسماعيلية)، إحدى دُور الرعاية لمدة أسبوع، وحبس خالها وزوج شقيقتها أربعة أيام احتياطيًّا على ذمة التحقيقات لارتكابهما جرائم لا يجوز فيها الصلح.
قرار النائب العام المحترم، المستشار «حمادة الصاوى»، يتّسق تمامًا مع صحيح القانون، فما حدث لطفلة الإسماعيلية ليس شأنًا خاصًّا يخصها وحدها، بل يخص المجتمع بأسره، وحق المجتمع الذى تمثله النيابة خير تمثيل باعتبارها (محامى الشعب) لا يسقط بالتصالح ولا بالتقادم.
مستوجب تبيُّن المعنى الكامن فى العبارة، «جرائم لا يجوز فيها الصلح»، والتركيز عليها ليعرف كل مَن تسول له نفسه الاعتداء على النفس البريئة أنه لن يفلت بفعلته، وحديث الشرف لا يخوّل الاعتداء على النفس، وتفاصيل الاعتداء مروعة لطفلة رزحت تحت تعذيب رهيب.
معلوم أن هناك جرائم يحوز فيها التصالح، ونظم قانون الإجراءات الجنائية مسألة التصالح فى الجرائم، وأجاز هذا التصالح لمَن يرتكب جريمة، مادامت تلك الجريمة من الجرائم التى يجوز فيها التصالح.
واستثنى القانون بعض الجرائم من جواز التصالح فيها، ومن أبرزها هتك العِرض، والخطف، وخطف الأطفال، وفرض السيطرة، وترويع المواطنين، وأيضًا جريمة الاغتصاب، كونها من الجرائم التى لا تخص المجنى عليه فقط، بل تخص المجتمع ككل، فلا يجوز التصالح فيها.
نحن أمام تجسيد قانونى لفكرة (حق المجتمع)، وهو حق مقدس قانونًا، لا يسقط بالتنازل ولا بالتقادم.. حق مستحق يستحيل الفكاك منه، حتى لو تنازل المجنى عليه عن حقه خوفًا أو طمعًا!!.