بقلم : حمدي رزق
كان الناس يقولون بيقين «من لم يمت في الأهرام فلم يمت»، في إشارة إلى صفحة الوفيات الأهرامية العريقة.
لم يدر بخلدى أن أرى اسمى في صفحة الوفيات الإلكترونية المستجدة، الشهيرة بالفيسبوك، وسيلا من التعازى في وفاة شقيقتى وتوأم روحى «نادية» الله يرحمها. «إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ»! ينطقها اللسان بنبرات حزينة وبرأس مخفوض، ووجه حزين، وقلب مكلوم «إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا نادية لمحزونون..».
يقينا يصعب إجابة التعازى جميعا بالشكر والعرفان، والشكر موصول لسعيكم المشكور.
لفتنى هذا الذي حدث ولون حياتى باللون الأسود، وتيقنت أن صفحة الفيسبوك احتلت مكان «وفيات الأهرام» في الإخبار عن الوفيات، وتبوأت مكانها باعتبارها صحيفة الوفيات المعتمدة مصريا.
كل من يهاتفنى يبلغنى «لسه عارف من الفيسبوك حالا»، و«آسف على التأخير، لسه فاتح الفيسبوك»، و«هوه صحيح اللى منشور ع الفيس»، صفحات الفيس لم تعد تمرر وفاة في بر مصر دون إعلان، شئت أم أبيت فيسبوكيا، وبين طرفة عين وانتباهتها تغير مود صفحتى من حال إلى حال، وسيل عرم من التعازى، لا يكلف سوى حروف تكتب بمداد أسود، والجمل ناعية، واللوحات مطرزة بالسواد، «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِى إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِى فِى عِبَادِى وَادْخُلِى جَنَّتِى»، «وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ».
يقينًا صعب دخول الفيس في ظرفى الخاص، ولكن بات صعبا على الكثيرين دخول الفيس، مع توالى الجائحة، صار الفيس مجللا بالسواد، كلما هممت بالتصفح ومتابعة الأحوال، صدمتك أخبار الوفيات، وكأنك داخل على صفحة الوفيات الأهرامية، تترحم قبل الدخول.
أعرف أناسًا يفتحون الأهرام على صفحة الوفيات التي كانت تتمدد أحيانا إلى صفحات مجللة بالسواد، مع قهوة سادة، ويهزون رؤوسهم، ويتمتمون: «إيييه.. دنيا» «كلنا لها.. البقاء لله».
ولكن صفحات الفيس العديدة باتت مرهقة للأعصاب الرقيقة والنفوس المستبشرة، صحيح الموت علينا حق، ولكن الوفيات سودت الفيس، صار ناعيًا باكيًا معزيًا، حاجة تقطع القلب، على مدار الساعة وفيات وفيات، ليس فيه خبر ميلاد، ونادرا أن تصادف خبر زواج، كل هذا السواد في زمن الجائحة، وكما يقول رب العزة: «لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ».