بقلم : حمدي رزق
وبالدمع جودى يا عين، رحل البدرى فرغلى وترك فينا حزنًا شفيفًا، رحل الجدع، الشهم، ابن البلد، ابن مصر البار.
رحل من وسعت حصيرته البسيطة بسطاء مصر جميعًا، حبيب الغلابة، نصير الضعفاء، الرجل الذى قال «لا» فى وجه من قالوا «نعم».
عمى البدرى نموذج إنسانى نادر المثال، تراه فقط فى أفلام ومسلسلات الحارة الشعبية، من عينة زينهم السماحى فى «ليالى الحلمية»، الشهامة عنوان.
لا تراه إلا متلفعًا بعلم مصر، حتى رحل وجثمانه ملفوف بعلم مصر، علم مصر رمز العزة والكرامة والكبرياء الوطنى، عاش البدرى يحلم بمصر التى فى خاطره وفى دمه، وكما قال طيب الذكر أحمد رامى:
مصر التى فى خاطرى وفى فمى
أحبها من كل روحى ودمى
مصر التى فى خاطرى وفى فمى
احبها من كل روحى ودمى
مات ونفسه ومُنى عينيه (التى كلت من الحزن) يرى مصر كما حلم بها من وراء نظارته السوداء.. عظيمة يا مصر.
لم يرهن مواطن مصرى حياته هكذا دفاعًا عن طبقة الضعفاء مثلما رهنها البدرى محبة وإيمانًا بالحق فى حياة كريمة، وناضل بكل عزم وتصميم على استرداد حقوق أصحاب المعاشات، ومن على القهوة كان يجأر بصوته فى مواجهة أعتى الحكومات، بمفرده وقف طودًا شامخًا، لم يأبه بالعواقب ما ظهر منها وما بطن.
باطه والسماء، وشعاره المرفوع، إيش ياخد الريح من البلاط، وإحنا على البلاطة، عاوزين البلاطة ياخدوها.. هنقعد على التراب، ونُدفن فى التراب، بس لما يحين القضاء هندخل القبر وريحتنا حلوة تحت التراب.. عبق الجنة إن شاء الله.
كل محب يحمل فى قلبه نبضه حلوة للبدرى، ويعرف طوب الأرض، ويعرفه الناس جميعًا بالفكاهة، وبحس ساخر، يسخر من ألمه وحزنه، وإذا استبشر فرح، وإذا فرح قهقه فى وجه الزمان الصعيب، وعندما كلَّ بصره لم يرهن إرادته بالشوف، الشوف عند البدرى مش نظر، الشوف وجهة نظر.
دفء قلب البدرى فى صقيع الأيام من جوه، من روحه الطيبة، من لمّة الطيبين من حول مقعده على القهوة، البدرى شعبوى بامتياز، وصوت جهورى فى الحق الذى يعتقده، ولا يهاب سوى الحق، والحق عنده أحق أن يُتبع.
رثاء البدرى ليس من قبيل كف عزاء، ولكنه وداع يليق بالفرسان، لو كانت مصر معبدًا لكان فى مقدمة فرسان المعبد.. سلامًا حتى نلتقى، أنتم السابقون ونحن اللاحقون، ولا نقول إلا ما يُرضى ربنا، وقولًا كريمًا مثلما قال الكريم، صلى الله عليه وسلم، فى وداع فلذة كبده إبراهيم: «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون».