بقلم : حمدي رزق
الترغيب من الرغبة، والترهيب من الرهبة، وبين ترغيب وترهيب صكت «دار الإفتاء المصرية» واحدة من أهم فتاواها فى زمن كورونا، تعضيدًا للمجهود الطبى فى مواجهة الجائحة، نموذج كيف يكون الفقيه فى جانب العلم والطب، الأَخْذُ بِالأسْبَابِ مِنْ شِيَمِ أُوْلِى الألبَابِ.
نصًا انتهت دار الإفتاء إلى «أنَّ أخذ بلازما الدم مِن المتعافين من فيروس كورونا المستجد للمساعدة فى علاج المرضى الحاملين له هو أمرٌ جائزٌ شرعًا، وأن أخذ (البلازما) من المتعافين للمشاركة فى حَقْن المصابين هو مِن باب إحياء النَّفْسِ الوارد فى قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعًا) (المائدة/ ٣٢)، وهو أيضًا مِن باب التضحية والإيثار اللَّذَينِ أَمَرَ اللهُ تعالى بِهِما وحَثَّ عليهما فى قوله سبحانه: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) ( الحشر/ ٩)».
وشددت دار الإفتاء فى فتواها على أن امتناع المتعافين من «فيروس كورونا المستجد» من أخذ البلازما يَفوُت به إنقاذ مَنْ أَشْرَف على الهلاك أو خِيفَ من تَدَهْوُر حالته الصحية، وفى ذلك فوات حفظ النفوس الذى هو مقدَّمٌ فى الشرع الشريف.
وأوضحت الفتوى أن الحاجة فى أخذ «بلازما المتعافين» ثابتة وحاصلة للمصابين بهذا الفيروس؛ حيث ثبت طِبِّيًّا أنَّ العلاج بـ«البلازما» هو طوق النجاة للمرضى أصحاب الحالات الحرجة الحاملين لهذا الفيروس، ولاسيما أنَّه، فى سياق الاشتراطات والاحتياطات الطبية، لا يَحْصُل للمأخوذ منه البلازما ضرر أو مضاعفات صحية.
و«شددت الدار على أنَّه ينبغى فى أخذ (بلازما الدم) من المتعافين من (فيروس كورونا المستجد) اتباع التعليمات والضوابط التى أقرَّتها الدولة من خلال وزارة الصحة المصرية لشروط أخذ البلازما؛ وذلك لأجل ضمان سلامة الشخص المأخوذ منه البلازما».
نموذج ومثال على الفتوى العصرية التى تتنسم مقاصد الشرع، وتؤسس على العلم، وتأخذ بالأسباب كما قررها الأطباء الثقات.
ما رشح عن الدار العريقة من فتاوى (تحت وطأة الجائحة) خليق بالاعتبار، وييقن أن فى الدار عقلا تنويريا فاهما وواعيا لفقه الحياة، ولا يعانى انغلاقا، ما صدر من نفحات فقهية عن عقول امتحنت فاعتبرت وتدبرت وحكمت عقلا فى النصوص، فلم تجافها، بل استخرجت من بطونها ما يجلى المقاصد الإنسانية فى تجديد الفقه الإسلامى.
أقول قولى هذا بعد تمعن عميق فيما صدر عن الدار من فتاوى تحت وطأة الجائحة، تؤسس لباب مستحدث من «فقه المقاصد» ستحفظه مجلدات الدار لأجيال ستأتى لتطالع اجتهاد فقهاء لم تلفهم الجائحة بظلامها الثقيل، بل كشف عنهم الغطاء، فأبصروا منافع للناس.
لله دره، المفتى الدكتور «شوقى علام» صاحب الذهنية التى عملت بجد واجتهاد مؤسس على فقه متجدد، عقلية جُبلت على الخيرية، وفهمت النص فهما عقلانيا لم يجاف مقصدا ولا جرح نصا، بل أضاف إلى ما سبق وبنى عليه من فهم عاقل لفقه المقاصد، أو فقه الجائحة، كما سيعرف لاحقًا.