بقلم : حمدي رزق
الفيس ساحة حرة للتنفيس، والفضفضة، البوح، والطبطبة، أعجب ممن يحولون الفيس إلى معركة طاحنة، يبدى رَأيًا ولا يقبل مزاحمة فكرية أو حوارية، الفيس يشغى بمزايدات، ومناكفات، لا يمررون تعليقًا إلا وأهالوا عليه التراب، ولا يتركون حتى صورة إلا وأُثخن صاحبها بالطعنات والغمزات واللمزات.. «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ» (الهمزة/ ١).
وكأنه مندوب الفيس المقيم، محتسب الفيس، فإذا تعطّف علينا أن نصلى وراءه حاضر ولا نتخلف عن جماعته، وإلا رمانا بالكفر والإلحاد.
المحتسبون الجدد يؤمّون وَسائِل التواصل الاجتماعى بقضِّهم وقضيضهم، يصلبون الناس على حوائط الفيس، يجلدونهم على حسابات تويتر، أما الـ«إنستجرام» فحدِّث ولا حرج، صار هدفًا، أى صورة باين فيها كتف، أو ساق، أو صورة فيها دلع ورحرحة، تتحول إلى لوحة نيشان، سهام مطلوقة بالفسق وإشاعة الفجور والرذيلة، واتهامات وإهانات واشتغالات تدوم أيامًا. وَسائِل التواصل الاجتماعى تقطعت تمامًا، صارت وَسائِل التباعد الاجتماعى، فيه ناس طلقت الفيس، وهجرت تويتر، وقاطعت إنستجرام خشية من عقاب المحتسبين الجدد.
الدخول على الفيس لم يعد نزهة خلوية، للأسف مغامرة يتبعها أَذًى، تدخل تلبس فى الحيطة، شتيمة طائرة فى الفضاء الإلكترونى، لطمة على الوجه، ركلة فى المؤخرة، وينصرف المحتسب سريعًا مغتبطًا بنصره، حيث وراءه مهام جسام لتأديب المخالفين لشرع سيادته أو لفكره أو لهلاوسه السمعية والبصرية. أتحدث عن جماعة من المرضى بالوهم، يتوهمون أنهم على حق وغيرهم على باطل، وأنهم يملكون الحقيقة المطلقة، ولا يفكرون خارج ذواتهم المتضخمة، ويمعنون فى النكاية والشكاية، ولديهم إحساس بأنهم فى مساحة أخرى من الكون، وأن مخاليق ربنا على الفيس يتلقون وحيًا منهم على مدار الساعة، فإذا عطسوا شمّتهم من على الفيس، يرحمكم الله، كيف لا تشمت العاطس يا فاسق، وإذا تعطّفوا ببوست، هرع المفسفسون باللايكات والتعليقات، وإذا صمتوا هنيهة فعلينا أن نفتقدهم.
المحتسبون على الفيس عيّنوا أنفسهم رعاة لما يُنشر، ومراقبين لما يُذاع، وناقدين للأفعال والأقوال، ورافضين لكل شىء، يقتاتون على الاختلاف، أنا مختلف إذًا أنا موجود، ومهيمن ومسيطر، يمارسون إرهابًا فكريًا رهيبًا، ويشنون غارات إلكترونية عاتية على المخالفين، يسومونهم سوء العذاب الإلكترونى.
بعضهم مؤدلَج، كتائب إلكترونية، وفى الغالب (هو) تابع لخلايا نائمة فى الدغل الإلكترونى، والبعض منهم باحث عن دور، وليس أسهل من دور المحتسب، سايق الهبل على الشيطنة، وراكب قلع المركب من فوق، وعيّن نفسه خبيرًا اكتواريًا، وأحيانًا كَائِنًا فضائيًا، فإذا قالت الأرصاد بموجة حارة، سجل، الدنيا برد وعم خليل بيسقى الورد، وإذا قالت الإذاعة صباح الخير.. طفق يبرطم صباحكم زى وشكم، شايل طاجن سته فى الفضاء الإلكترونى، وطايح باللون الأسود يسود عيشتنا، ويلون حوائطنا بالهباب الذى يعتمل فى صدره.
محتسبو الفيس وراء مود القرف البادى على الوجوه، مرار طافح، لا بيعجبهم العجب ولا الصيام فى رجب.
خالف تُعرف، تعبير عن عقدة نقص.. يعانون زيادة فى هرمون.. مركب نقص، خلاصته سيبقى الأخ «خالف تُعرف» يمارس هذه العادة السرية سلبًا أو إيجابًا حتى يلتفت إليه أحد ممن حوله، وعلى وجه الخصوص أولئك الذين لا يكترثون به!