بقلم : حمدي رزق
أهدانى د. مينا بديع عبدالملك، أستاذ الرياضيات المتفرغ بهندسة الإسكندرية، هذه السطور، ما تيسر من سيرة البابا كيرلس السادس، فى تذكار مرور نصف قرن على رحيله، وإلى سطوره.. 9 مارس ٢٠٢١ يوافق تذكار مرور خمسين عامًا على رحيل البطريرك القبطى العظيم البابا كيرلس السادس، ١٩٠٢/ ١٩٧١، البطريرك ١١٦، الذى يتذكره المصريون جميعًا- مسلمين وأقباطًا- لأبوته الحارة وبساطته وروحانيته الصادقة وحكمته التى وهبها له الله فى إدارة أمور الكنيسة.
نذكر أنه فى ٢٤ يوليو ١٩٦٥ عندما قام الرئيس جمال عبدالناصر والبابا كيرلس السادس بوضع حجر أساس الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية- القاهرة، أعاد الأنبا أنطونيوس، مطران سوهاج والمنشأة، سكرتير المجمع المقدس، تكرار الكلمة التى سبق أن ذكرها البابا كيرلس السادس للرئيس جمال عبدالناصر عندما زاره بمنزله بمنطقة منشية البكرى ومعه وفد من المطارنة والأساقفة فى يوم ٨ يوليو ١٩٦٥، حيث أثنى الرئيس على الكلمة، فقال- من بين ما قاله- إننا حينما نبنى كنيسة، فإننا نبنى مصنعًا لإعداد مواطن صالح.. وهذه كانت المهمة التى اهتم البابا كيرلس السادس بأن يغرسها فى نفوس أولاده، بربطهم بحياة الصلاة التى تغرس فيهم الضمير الحى، ومن ثم يكونون مواطنين صالحين.
وأيضًا غرس البابا كيرلس فى نفوس أولاده عدم إهمال المحتاجين والفقراء- بدون استثناء- ومن هنا فإن الكنيسة يوميًا تصلى قائلة: «بارك رأس السنة بصلاحك من أجل الفقراء، من أجل الأرملة، واليتيم، والغريب، والضيف، من أجلنا كلنا.. لأن عيون الكل تترجاك، لأنك أنت الذى تعطيهم طعامهم فى الوقت المناسب، اصنع معنا حسب صلاحك يا معطيًا طعامًا لكل ذى جسد».
كما أن البابا كيرلس علّم أولاده أن تعظم المعيشة ووفرة المال أمور تتضمن تفاوتًا بين البشر، وحرصًا من الغنى على أن يظل غنيًا مع احتياج أخيه الإنسان إلى أقل القليل، لهذا كان البابا كيرلس يطلب من الله أن يمنح الجميع القناعة والرضا والفرح، فكان يصلى على الدوام قائلًا: املأ قلوبنا فرحًا ونعيمًا.. لكى يكون لنا الكفاف فى كل شىء كل حين نزداد فى كل عمل صالح.
كان البابا كيرلس يفضّل دائمًا أن يكون بجوار أولاده بصفة دائمة، حدث فى فترة مرضه الأخير- إذ أصيب بجلطة فى قدميه- فرفض السفر للعلاج بالخارج على الرغم من أن الرئيس عبدالناصر سبق أن أخبره عن مصحة طبية متخصصة بروسيا للعلاج، لكنه شكر الرئيس وفضّل أن يظل بمصر. وعندما اشتد عليه المرض- فى فترة الرئيس السادات- كلف د. محمود فوزى، رئيس الوزراء وقتها، ود. عبده سلاّم، وزير الصحة، بإعداد مستشفى محلى بالمقر البابوى بالقاهرة، واستدعوا طبيبًا شابًا، د. ميشيل جرس، ليكون مرافقًا للبابا ويقيم بجوار حجرته. وكان البابا يحرص يوميًا على أن يتوجه إلى الكنيسة صباحًا ومساءً ليقود شعبه فى الصلاة، ثم يجلس ليستمع لمشاكلهم واحتياجاتهم. لقد عاش البابا كيرلس فقيرًا بحق، وناسكًا فى درجة عالية من النسك، لكنه رحل غنيًا بتراثه الروحى.
لقد كان البابا كيرلس بحق مدرسة الوطنية الصادقة، وترك لنا قدوة صادقة مازلنا نتذكرها حتى بعد مرور خمسين عامًا على انتقاله للسماء. لقد لازمته منذ يونيو 1959، وكنت أبلغ من العمر 9 سنوات، وكانت المحبة بيننا كبيرة، إذ رأى أمامه ابنه الطفل، كان ينمو ويتدرج فى مراحل التعليم المختلفة. الرب يقدس روحه.