بقلم : حمدي رزق
احتراز مستوجب، نحن لا نصادر حكما ولكن نناقش نصا، فالقضاء مقيد بنصوص القانون، ولا تثريب على قاض يعمل نص القانون فيما بين يديه من أوراق ثبوتية. القضية هنا ليست المنصة العالية، ولها كل الرفعة والاحترام الواجب، ولكن النص القانونى الجامد الذى يستوجب اجتهادا قانونيا يستتبعه تعديل تشريعى يفرق بين الحقوق المدنية والنصوص الشرعية، فالنص القانونى المؤسس على نص أبدا لم يكن عائقا فى تحقيق مصالح الناس.
وراثة المسيحى للمسلم محسومة بنص. معلوم شروط الميراث فى الإسلام اتحاد الدين، فالمسلم يرث المسلم، أما المسيحى فلا يرث المسلم، ولا المسلم يرث المسيحى.. وكذلك إذا كان الابن ليس مسلماً والأب مسلما فلا يرث الابن فى والده حال وفاة الوالد.
هذا عن الإرث فى الإسلام، عن الورث، فماذا عن المعاش للابن المعاق إعاقة تعجزه عن الكسب أو غير عاجز، المعاش بالمطلق، معلوم هذه القضية يحسمها نص تشريعى، وتدخل (اجتهادا) فى باب المصالح المرسلة والتى ليس فيها نص واضح يدل عليها، ليس فى النص معاش، إذن هى مصلحة مرسلة إذا وفق العلماء فى تكييف النص، تتقيد بالحاجة إليها حسب ما يراه أهل العلم، وولاة الأمر، فى نفع الناس وجلب الخير إليهم، ودفع الشر عنهم، بطريقة لا تخالف النصوص.
على طريقة «أريد حلا» الشهيرة، يقف فقهاء القانون عاجزين أمام معضلة قانونية كشفت عنها القضية رقم (٤١٠ لسنة٢٠٢٠) وراثات عين شمس.
القضية فى سطور، سيدة مسيحية زوجها طبيب، وأسلم، وبالضرورة طلقت منه وما لبث أن توفى بعد سنة ونصف (وهو مسلم) تاركا المطلقة لاختلاف الديانة، وثلاثة شباب عاجزين عن الكسب (معاقين) بشهادات طبية موثقة.
ذهبت المطلقة لصرف معاشات أولادها المعاقين، طلبوا منها فى التأمينات كالعادة «إعلام وراثة» فرفعت قضية، طلبت فيها تحديد الورثة، وبعد جلسة استغرقت مداولاتها ثلاث ساعات كاملة، تم رفض الدعوى لأن حكم الوراثة (شرعيا) ينسحب من الميراث إلى المعاش.
قاعدة قانونية تأسس عليها حكم محكمة أسرة عين شمس، برفض الدعوى، ورغم أن المطلقة لم تطلب «ورثًا» وإنما طلبت بيانا بالمستحقين للمعاش (حقوق مدنية) إلا أن نصوص القانون حالت دون تمكين الورثة المعاقين، وقالت فى الأسباب حتى المعاش لا يستحقه الابن المسيحى من أبيه المسلم.
نريد حلا، كيف يحرم الابن المعاق العاجز عن الكسب من معاش والده، ثم ما ذنب الابن فى ديانة الأب، فضلا، هذا النص الذى تأسس عليه الحكم يعارض الدستور فى المادة (٥٣) التى تنص على المساواة وعدم التمييز، وهل معنى ذلك أن الزوجة المسيحية التى تزوجها مسيحى ثم أسلم، تحرم وأولادها العاجزون من المعاش بعد وفاة زوجها المسلم؟
نريد حلا، تعديلا تشريعيا من مجلس النواب الموقر يأخذ بالأسباب، ويوفر حلا مناسبا يحول دون هذا الذى حدث بنص قانونى مؤسس على نص شرعى، مطلوب اجتهاد من العلماء الثقات فى دار الإفتاء، وبالسوابق يعرفون، وما رشح عن الدار ابتداء وأخبرنى به المستشار «نجيب جبرائيل» باعتبار المعاش من الحقوق المدنية ويخرج من هذه القاعدة الشرعية، يوفر حلًا.