بقلم : حمدي رزق
أعلاه «فوضى»؛ اسم مسلسل تلفزيونى إسرائيلى (٤٨ حلقة) يتناول قصة وحدة إسرائيلية سرية تسمى «مستعرفيم» (المستعربون)، تنفذ قواتها مهمات خاصة وسرية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة وهى تتنكر كالعرب تماما. عرض المسلسل لأول مرة فى (2 ديسمبر 2016)، ولا يزال يحظى بمشاهدة كثيفة على Netflix (شركة ترفيهية أمريكية). يندرج تحت مسمى «سينما إسرائيل» التى تفتخر بوحدة من المستعربين يخترقون الضفة وغزة متنكرين فى ملابس وهيئات وأسماء عربية ويتحدثون العربية كأهلها.. الفوضى العارمة التى أحدثتها المخابرات الإسرائيلية (موساد) فى الضاحية الجنوبية فى بيروت (ضاحية حزب الله) لا تذهب بعيدا عن أحداث المسلسل الشهير «فوضى».
نفس الأحداث، بالتفاصيل، لعمليات الاختراق، والتنصت، والحركة على الأرض، موساد اخترقت البنية المعلوماتية لحزب الله، وتمكنت من اصطياد صقوره فى أعشاشها. فوضى حدثت، ولا سبيل لإنكارها أو تسفيهها، جد كلفت الحزب غاليا من قيادته فى المستويات العليا والقواعد الحركية، شهداء الحزب فى المستوى القيادى، فؤاد شكر وإبراهيم عقيل، تتحدث عن أرقام صعبة فى «هيراركية» الحزب، البناء التنظيمى وتسلسل القيادة، تقريبا العتبة التالية للقيادة، السيد حسن نصر.
من يعرف الضاحية الجنوبية جيدا، وقد زرتها لمرات فى سنوات مضت، من «حارة حريك» وحتى «حى الجاموس»، عليه أن يفكر مليا كيف اخترقت موساد ضاحية كل ما فيها ينطق باسم حزب الله، وصور آية الله الخومينى تظلل حاراتها، والحركة فيها مرصودة من أعين الحزب المفتوحة عن آخرها، وقواعده الشعبية تتحسب لغريب. لا يدخلها من الغرباء إلا المأذون لهم، ما يجعل مهمة الاختراق شبه مستحيلة.. لكنها للأسف حدثت مرارا فى العام الأخير بعد «طوفان الأقصى».
أخطر من الاغتيالات المزلزلة للحزب، اختراق البنية المعلوماتية الصلبة، وهذا يكلف الحزب كثيرا، منعة الحزب كانت قائمة على جدار حديدى مانع للتسريب المعلوماتى، كيف انهار هذا الجدار المصمت إذ فجأة؟!. كيف تمت وتتم الاختراقات تواليا، يبدو أن «وحدات المستعربين» نشطت فى البيئة الشعبية الحاضنة للحزب، ونصبت أكمنتها على الأرض تصيد الصقور التى لطالما حلقت عاليا بعيدا عن شبكات التجسس الإسرائيلية.
مسلسل «فوضى» يفكك اللغز الذى استعصى على المحللين العسكريين فى الاستديوهات التحليلية للاختراقات المعلوماتية التى نفذت منها «موساد» لتنفيذ عملياتها القذرة فى الضاحية الجنوبية.
نفس منهج الاختراق الأرضى (البشرى) مدعوما بتكنولوجيا متقدمة، تستخدم تقنيات حديثة، تعتمد نسقا سيبرانيا متقدما توفره المخابرات الإسرائيلية والأخرى الصديقة فى السموات التى تظلل الضاحية.
ظهر حزب الله بات مكشوفا، وظهيره الشعبى مخترقا، وهذا لعمرى خطير، وغربلة الضاحية من الجواسيس باتت مهمة شبه مستحيلة، الشكوك تراوح مكانها، والكل يتلفت يمينا ويسارا حذر الجواسيس المستعربة، ترتدى مسوحا عربية، وتتحدث اللهجة اللبنانية، وتتحرك من حارة إلى حارة. «حرب الجواسيس» اسم مسلسل مصرى شهير، حرب الجواسيس فى الضاحية الجنوبية جاوز خيال المؤلفين، خيال ما يجرى فى الضاحية، اختراقات معلوماتية من الوريد للوريد، فوق الأرض حيث كان القائد «فؤاد شكر» وتحت الأرض حيث كان القائد «إبراهيم عقيل»!!.
الحزب المقاوم يلزمه بعض الوقت لترميم بنيته المعلوماتية الأساسية بعد تفجيرات «البيجر»، و«الووكى توكى»، ولا يملك رفاهية الوقت تحت وطأة ضربات استخباراتية متتالية لا تترك مساحة للتنفس، أو للحركة.
السيد حسن نصر الله الأمين العام للحزب اعترف بالخسارة (الكبيرة)، ووعد برد من حيث يحتسبون أو لا يحتسبون، وهذا ما لم يرد ذكره فى المسلسل الإسرائيلى «فوضى».. على نصر الله أن يعاين الفوضى فى بنيته المعلوماتية أولا.