بقلم - حمدي رزق
تلقيت رسالة حزينة من د. يحيى نورالدين طراف يستوجب إطلاع الرأى العام المصرى عليها، ولكى نسمع تفسيراً من مسؤولينا المعنيين ووزارة خارجيتنا لهذا القبول والتسليم بالتجاوز المهين فى حق ملك مصر وحضارتها، وليت مسؤولاً فرنسياً يهمه أمر الفرنسيين وفرنسا فى نظرنا نحن المصريين يقرأ الرسالة، فيبرر لنا هذه الصفاقة غير المسبوقة بين الشعوب.
صورة عرضت لى مصادفة، هى لتمثال تعرضه فرنسا فى فخر واعتزاز، فى فناء إحدى أعرق جامعاتها، أعتقد جامعة Collège de France التى تأسست عام 1530، وربما جامعة السوربون، من أعمال المثال الفرنسى الشهير «فريدريك بارتولدى» الذى نحت تمثال الحرية الشهير القائم فى مدخل مدينة نيويورك. التمثال الذى تعرضه فرنسا يمثل عالم المصريات الفرنسى الشهير شامبليون، يطأ بحذائه رأس فرعون مصر الملك تحتمس الثالث!!!!.
ولقد فوجئت وفُجعت لهذه المهانة البالغة لملك مصر ولحضارتها، مما لم أكن لأتخيل أو لأتصور وجود مثيل لها. وقيل فى تبرير هذا التصوير للتمثال، إنه تعبير عن قيام شامبليون بقهر أستار وغموض الحضارة المصرية القديمة وحل ألغازها، بعد تمكنه من فك طلاسم حجر رشيد!!. ولاشك أن شامبليون قد فعل ذلك، وفتح الطريق لمعرفة تاريخ وأسرار الفراعنة ومصر القديمة. ولقد عرفت له مصر هذا الفضل واعترفت به، فكرمته بما يليق به، وتلك كانت شيمتنا دائماً.
لكن على صعيد آخر، هل لم يجد الفرنسيون وسيلة أخرى لتكريم وتخليد إنجاز عالمهم إلا بتصويره يطأ رأس الملك تحتمس الثالث فرعون مصر العظيم بحذائه؟ وماذا يعنى تصوير شخص يطأ بقدمه رأس ملك، فى كل ثقافات العالم ولغاته، إلا إهانة هذا الملك وبلده؟
الحقيقة أننى لم أكن أعلم بوجود مثل هذا التمثال معروضاً على وجه البسيطة، فما بالك بفرنسا؟ ولقد تدافعت إلى ذهنى فوراً أنباء مساعى فرنسا الحثيثة التى ما انفكت تبذلها منذ سنين لإعادة تنصيب تمثال «فرديناند ديليسبس» فوق قاعدته فى مدخل قناة السويس ببورسعيد، وكان شعب بورسعيد هو الذى اقتلع التمثال من فوق قاعدته، وليس الحكومة المصرية، فى ١٩٥٦، لأنه وجد فيه رمزاً للاحتلال وللخيانة.
فتعجبت لجرأتهم فى مطلبهم هذا! وتساءلت: بأى وجه وبأى قلب يريد الفرنسيون إعادة وضع تمثالهم فوق قاعدته بمدينة بورسعيد، وهم يعرضون لديهم تمثالاً يطأ صاحبه رأس فرعون مصر بقدمه؟ وكيف بلغ بهم التعالى والاستكبار علينا هذا المبلغ الذى أنساهم أنفسهم، وما هذا الصلف وما هذه العنصرية؟
وليس يغيظنى ويدهشنى أكثر، وقد علمت بأمر تمثال شامبليون، من وجود مصريين من مواطنينا بنى جلدتنا، يؤيدون إعادة تمثال ديليسبس فوق قاعدته، وهم عالمون بأمر تمثال شامبليون فى فرنسا، فضلاً عما يمثله ديليسبس من خيانة وسخرة واحتلال، دفعت الشعب الأبى فى 1956 لإنزاله من على منصة لا يستحقها، فأين كرامة هؤلاء ونخوتهم المصرية؟ وأين مسؤولونا من التمثال الذى تعرضه فرنسا، وكيف سكتنا على حذاء شامبليون يطأ به رأس ملكنا العظيم، وإلى متى يستمر سكوتنا؟
والله كان يجب على مصر أن ترد رداً قوياً من قديم، وتعاملهم بالمثل، فتعيد تمثال ديليسبس فوق قاعدته كما يريدون فى مدخل قناة السويس، لكن مع إضافة تعديل- لن يعيى مثالينا عمله- يمثل مصرياً يطأ رأس ديليسبس بحذائه، فيراه العالم أجمع على هذه الصورة. أو نعيد إليهم تمثالهم ليتصرفوا فيه كما يشاءون، فمصر ليست أرضاً لتكريم الخونة.
نقلا عن المصري اليوم