بقلم : حمدي رزق
لو كانت «الطيبة» لها عنوان لكان الأستاذ عباس الطرابيلى، رجل طيب، قلمه خَيِّر، كثير الخير، كريم، سخىّ، جواد، يفيض بالخير ولا يستبطن شرًا، لم يُضبط يومًا متأبطًا شرًا، على الدوام سطوره طيبة عطوف متسامحة، وإذا ما احتَدَّ حلمه أقرب من غضبه، وغضبه قريب، ودمعته أقرب إلى مقلتيه.
كاتب كتوبة، كاتب محترم، يحترم الكبير ويعطف على الصغير، وذواقة رفيع الذوق، وأستاذ صحافة من الجيل الذى يحترم المهنة، ويُمسك بجمرها، وواجف عليها، ويحنو على شبابها، ويحفز فرسانها، ويُجلّ شيوخها، وهو الشيخ المقدر بين المحبين.
ألف سلامة عليه، كورونا التى حاربها بقلمه تسللت إلى رئتيه، سقط فى براثن فيروس لا يرحم شيخًا ولا طفلًا، ربنا الشافى المعافى، أستاذنا فى أمس الحاجة إلى الدعاء والصلاة، الدعوات تحيط بسريره فتُكسبه مناعة ضد كورونا، جميعًا نحتاج إلى خالص الدعاء فى مواجهة الوباء.
أملى فى الله موصول أن ينجيه ويشفيه، الأستاذ عباس حالة إنسانية مدهشة، ولم يفقد دهشته تجاه ما هو مكتوب أو منشور، معلوم الصحفى إذا افتقد الدهشة تحولت حروفه إلى قش خالٍ من الروح، وحروف الأستاذ عباس معبرة تمامًا عن روحه الطيبة، من ألف مقال تُميز مقالات الأستاذ، له نكهة مميزة، ومقالاته السياسية مُضمَّخة بطيب الوطن.
أما مقالاته «المطبخية» فحدِّث ولاحرج، لها رائحة لذيذة، عامرة بما لذ وطاب من أطايب المأكولات والموائد العامرة بالمشهيات والمقليات والمشويات والمحشيات والصوانى، كأنها لسه خارجة من الفرن فى مطبخ بيت الأستاذ عباس.
عافاه الله وشفاه بفضل من رحمته، يكتب الأستاذ عباس فى المطبخ بحماس واحتشاد، فتأتى مقالاته فاتحة لشهية القراء، ولايزال البعض يتساءل عن هواية الأستاذ عباس واستحبابه كتابة المقالات التى تتحدث عن الطعام والأكلات والعادات الغذائية بكل هذا الشغف، تُحس أنه يجلس إلى مائدة عامرة بالطيبات ويكتب، أو خارج لتوه من مطبخ مصرى تفج منه روائح المحشيات والمشويات بنار الفرن، لكنها هواية محببة ومستحبة منه كتابة، وكنت أطلبها ساخنة من الأستاذ فى شهر رمضان، يملك خلطة بالبهار الحار، والإضافات الحريفة، تجعل لمقالاته مذاقًا، مؤرخ مخلص للمطبخ المصرى.
مقالات المطبخ نزر يسير من فيض مقالاته الوطنية، موسوعة فى الصحارى والخلجان، ويعشق سيناء والبادية والسودان، وكأنه زول مولود فى أم درمان، ويفقه فى عادات وتقاليد الخليج العربى، وكأنه شيخ خليجى عركته السنون وهو يمضغ صبر الزمان، حجة فى الشؤون الخليجية، عاش هناك طويلًا. قلم الأستاذ عباس يفيض وطنية، واعتدالًا، وتسامحًا مع الآخرين، من الكتاب المعدودين الملتزمين كتابة، لم يُضبط بحرف متلبسًا بخطيئة، منضبط لا يتخلف عن موعده ساعة، ولا يخل بعهده مع قرائه، ولا يتكبر على مسؤولى التحرير ولو كانوا فى عمر أولاده، يحفظ المقامات جميعًا، وهو ناصح أمين، مشجع للمواهب، معلم حقيقى، متجرد مهنيًا، متحمس سياسيًا، حافظ لكتاب الوطن، ربنا يشفيه ويعافيه ولا يحرمنا من متوالية مقالاته الطيبة.