تعتبر منحوتة «سيدة العدل» من بين التماثيل الأعظم المعترف بها عالميًا، ومتجسدة فى معظم المبانى القانونية وبيوت العدل فى العالم.
كون المرأة معصوبة العينين، لأن العدالة تقتضى المساواة بين الخصوم دون أدنى تمييز بينهم.
والميزان الذى تحمله، فهو إشارة إلى إحقاق الحق وفق القانون مع تقديم الخصوم ادعاءاتهم ودفاعاتهم لتحكم العدالة فيما بينهم لاحقاً.
والسيف يشير إلى العقوبة الرادعة للجانى والاقتصاص منه، لتعيد العدالة بذلك الأمور إلى نصابها، وبالنتيجة إعادة كفتى الميزان لتكونا متساويتين بعد أن ارتكب المجرم جريمته فسبّب إخلالًا فيها.
أما عن كونها امرأة وليست رجلًا فهى للإشارة إلى أنه رغم وجود السيف والميزان إلا أن الرحمة موجودة فى هذه العدالة، كون قلب المرأة أرحم من قلب الرجل.
أحالت نيابة البحر الأحمر الكلية، نجل رجل الأعمال إلى محكمة الجنايات، لاتهامه بإحراز الحشيش المخدر بقصد التعاطى، ودهس وقتل المهندسة «مى»، نتيجة قيادته سيارة تحت تأثير المخدر، وتعمده السير عكس الاتجاه.
وأمس كانت أولى جلسات محاكمة ثلاثة متهمين، بينهم قاضٍ بمحكمة الاستئناف، وصديقاه، لاتهامهم باستدراج فتاة وخطفها عن طريق التحايل، واغتصابها بإحدى قرى الساحل الشمالى.
خلاصته لا أحد فوق القانون، ويستوجب تثبيت هذا المعنى فى الذهنية المصرية، والكف عن التشكيك فى منظومة العدالة المصرية التى تقف على مسافة قانونية واحدة من جميع المتهمين، بغض النظر عن المواقع والأسماء والوظائف.
تخيل التشكيك بلغ أن المتهم المحال ليس ابن رجل الأعمال، وصفحات فيسبوكية تقطع بأنه متهم آخر «مدسوس على القضية»، والسؤال البديهى: هل تعرفون ابن رجل الأعمال؟ عجيب هذا الحكى المريب، ميل غريزى للشك والتشكيك حتى والمتهم ماثل أمام النيابة.
العدالة معصوبة العينين ليست تمثالًا من حجر بارد، أحيلكم إلى متوالية الأحكام التى تصدر تباعًا فى مواجهة أسماء نافذة، فى مواقع مهمة، كان الاقتراب منها فى زمن مضى ضربًا من الخيال.
يقينًا، يد القانون تطال الجميع، والكل أمام القانون سواء بسواء، ابن القاضى (فاكرينه طبعًا) مثل ابن الخفير، الإصلاحية تلم كل من انجرف فانجرف، «إنت عارف أنا ابن مين فى مصر» لم تعد تنطلى علينا، كلنا ولاد تسعة، انتهى زمن «ولاد البطة السودة»، اللى هيغلط يتحاسب، ولا أحد فوق الحساب.
البعض لايزال على قديمه، وتتفشى فى المجتمع فرية «الكبير كبير، والنص نص نص نص»، لسّاهم فاكرين العزبة القبلية، والباشا الصغير ابن الباشا الكبير، مصر تغيرت، مصر لم تعد عزبة تمرح فيها الذئاب المطلوقة، غلطت تتحاسب ولو أنت مين ابن مين!
العدالة فى مصر تأخذ مجراها الطبيعى بعد أن حفرته منذ قرون طويلة، تسير كما هو مكتوب فى الكتاب، عصابة العدالة على أعينها تمتّن المعنى الذى نقصده فى هذه السطور، ومثل هذه الإحالات والمحاكمات التى نحن بصددها تقطع دابر الشك والتشكيك فى الأحكام القضائية، القضاء فى مصر يضرب مثلًا متجددًا كل صباح، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وبعضهم لا يعقلون، وفى الأغلب الأعم لا يشكرون.