متوالية المصائب الأيام الفائتة، تستوجب صبرًا على البلاء، وكما نصح طيب الذكر الشيخ الشعراوى: «عندما يصيبك شىء، فلا تنظر إلى المصيبة فيما أُخذ منك، لكن انظر فيما بقى لك».
معلوم أن المصائب لا تأتى فرادى، والمصائب تجمعن المصابينا، وكلنا مصابون، على البعد، مصابون فى الطيبين الذين قضوا فى قطار سوهاج، وعمارة جسر السويس، مصابون فى مورد رزق، فى تعطُّل الملاحة فى قناة السويس بسبب سفينة جرفتها العاصفة لتُحملنا ما لا طاقة لنا به تحت وطأة الجائحة.
معلوم ياما دقت على الرؤوس طبول، والإمام الشافعى، رحمة الله عليه، يبشرنا:
«محن الزمان كثيرةٌ لا تنقضى/ وسرورها يأتيك كالأعياد!!».
معلوم المصائب قد لا تأتى فرادى، وفى هذا يقول الإمام الشافعى:
«تأتى المكاره حين تأتى جملةً/ وأرى السرور يجىء فى الفلتات!!».
يعوض صبرنا خيرًا، ولنحمد الله على أن مصيبتنا لم تكن أعظم مما هى عليه، وفى هذا يقول الحكيم: «إن لله عبادًا يستقبلون المصائب بالبشر، أولئك الذين صفت من الدنيا قلوبهم».
وورد فى باب الصبر حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة فى نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة»، والصبر يكون بحبس النفس على عدم الضجر عند وقوع أقدار الله المؤلمة.
أعلاه توطئة لما هو تالٍ، فالجزع بادٍ، والضجر ذاع، والتطيُّر والتشاؤم يسرى بين الطيبين، ثلاث حوادث تحشّ الوسط، وتفطر القلب، مصائب تركت بصماتها على وجوه الناس الطيبة فى الطرقات، الناس جد حزينة، تسأل الله اللطف، «اللهمَّ يا خفى الألطاف نَجِّنا مما نخاف».
نحوقل قولًا «لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله»، ونصطف مجددًا، ونسد الفرج حتى لا يطمع مَن فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ، وكما قال رسول اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَينَ المنَاكِب، وسُدُّوا الخَلَلَ، وَلِينُوا بِأَيْدِى إِخْوَانِكُمْ، وَلا تَذَرُوا فَرُجَاتٍ للشيْطانِ، ومَنْ وصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّه، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعهُ اللَّه».
للأسف الشامتون كثر، أكثر من الهَمّ على القلب، يجولون فى الطرقات حاملين كؤوس العذاب، مغتبطين فى المصائب، ويتضاحكون ويتغامزون فى قعور بيوتهم المظلمة، كالعقارب والحيات فى جحورها تبخ سمًا زعافًا فى آنية الوطن، ولو عثرت بغلة فى «الحامول» لرقصوا عرايا طربًا فى منافيهم البعيدة!.
خلاصته، دَعْكم من الشياطين عالقة فى شرها، فحسب لا تَقْنَطُوا مِن رحْمَةِ اللَّهِ، تفاءلوا فإنها ما ضاقت إلا لتُفرج، وما تعسرت إلا لتتيسر، وللإمام الشافعى قول طيب يُستحب هذه الأيام:
«ضاقت فلما استحكمت حلقاتها.. فُرجت وكنت أظنها لا تُفرج».
وبالمثل قول ثابت عن الإمام أبى حاتم السّجستانى (250 هجرية/ نحوى فارسى، نزيل البصرة وعالِمها)، يقول:
«أتاكَ على قنوط منك غوث.. يمنّ به اللّطيف المستجيب
وكلّ الحادثات إذا تناهت.. فموصول بها الفرج القريب».