بقلم : حمدي رزق
«إذا عاد بي الزمن لفعلت كل شىء مرة أخرى. هذا ما تعلمته من تجربتى، أننى كنت على الطريق الصحيح».
نعم كانت الدكتورة نوال السعداوى على الطريق الصحيح.. طريق الحق والخير والجمال.. والحقيقة، وهى قيَم اجتماعية متحديّة، كانت مناضلة متحديّة حتى النفس الأخير.
لم يتأخر جُلّ المثقفين والكتاب والمفكرين عن وداع الدكتورة نوال السعداوى بما يليق بمناضلة وطنية دافعت عن قضيتها وقضية بنات جنسها فى شعبها والعالم خير مدافع، صلبة، صَعْبة المِرَاسِ. عنيدة، شديدة الشَّكيمة.
التنويريون هزموا الدواعش الظلاميين الرابضين فى الدغل شر هزيمة، وانتصروا للمعانى الراقية التى مثلتها الدكتورة نوال، وخاضوا ببسالة منقطعة النظير معركة (الرحمة) على روحها التى ضن بها الدواعش على عظيمة من عظيمات مصر، وكأنهم امتلكوا الجنة التى بها يوعدون.
نفرة التنويريين إلى غوث اسم الدكتورة نوال من أيادى حفارى القبور خليقة بالتبين والتوقف، تثمينًا لشجاعة المواجهة فى مفترق مصيرى فى حرب ضروس تخوضها مصر شعبًا وجيشًا على مختلف الصُّعُد، سياسيًا واقتصاديًا ومجتمعيًا وتعليميًا وثقافيًا وفكريًا ودينيًا، معركة النور فى مواجهة دياجير الظلام.
وتبينًا لشراسة المعركة وأرضها الوعرة، جيوش النور تخوض معركة تنويرية على أرضية زلقة، منسوب الصرف الفكرى نشع على الحوائط الفيسبوكية، ملح أجاج، سم زعاف، يسمم عيشتنا، ويورثنا أفكارًا مفخخة، يتعاطاها بعض المأفونين، أدمنوا التنطع على جثث الموتى، يُثخنونها بالطعنات بسيوف خشبية.
لا يقوون على مواجهة جيوش النور فى النور، يتخفون فى ظلام أنفسهم المتقيحة غلًا من الذين آمنوا بالحرية والمساواة والعدالة والحق والجمال، لا يستبطنون حقًا، ولا يستشعرون جمالًا، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ!
جنازة الدكتورة نوال الإلكترونية برهنت على يقظة الوعى الجمعى، ما يمكن البناء عليه عاليًا، جنازة تراصت فيها صفوف الطيبين، فطرتهم سليمة، جنبًا إلى جنب مع المفكرين والمثقفين، شكلوا جنازة جماعية راقية، رفعت راية الدكتورة عاليًا، فوق فوق فوق، رغم أنف الظلاميين الذين تكالبوا على جثتها تكالب الأكلة على قصعتها، فحمل عليهم الطيبون حملة قطعت دابرهم، وشتَّتتهم فى منافيهم المظلمة، يجرون أذيالهم كالجراء الجربة.
فات الدكتورة نوال يرحمها الله مشهدها المنير، كانت ستسر كثيرًا، وتعتريها دهشة تطل من عينيها اليقظتين، أفكارها حية، وريادتها مسجلة، وأستاذيتها علامة فارقة، وشجاعتها نموذج، ونضالها مثال.
وإذا قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: «قولوا لأهلِ البدعِ: بيننا وبينكم يومُ الجنائزِ».. فإن جنازة الدكتورة نوال الإلكترونية (بفعل كورونا) تطيل الرقاب، رقاب التنويريين عاليًا فوق فوق فوق السحاب، اللهُم سحائب الرّحمة ووافر المغفرة لتلك الروح التى حال بيننا وبينها الثري