الغباء هو الافتقار إلى الذكاء، والفهم، والتعلم، والشعور أو الإحساس..
من نكد الأيام، وفى ذكراه العطرة، وبعد 32 عاما من استشهاده، يصدمك إنسان أنوى نادر بسؤال: الدكتور فرج فودة مسلم ولا مسيحى؟!
يأتى فى آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، ما يشغلهم من سيرة طيب الذكر ديانته، سؤال يدخل فى باب العيب، وإن طلع العيب من أهل العيب..
والإجابة: فرج فودة كاتب ومفكر مصرى، ولد فى 20 أغسطس 1945 بمدينة «الزرقا» بمحافظة دمياط فى مصر. حاصل على ماجستير العلوم الزراعية ودكتوراة الفلسفة فى الاقتصاد الزراعى من جامعة عين شمس، ولديه ولدان وابنتان، تم اغتياله على يد الجماعة الارهابية فى 8 يونيو 1992 فى القاهرة.
لماذا يثيرون السؤال؟!
ليس لأن طيور الظلام اغتالته بدم بارد فى مستهل عملياتها الإرهابية التى روعت عقد التسعينيات ولاتزال تروعنا بأفكارها الظلامية، ولكن لأن أفكاره حية نافذة تسعى بين الناس، لم تدفن وتطمر برحيله، بل أنبتت زهورا فكرية يانعة ترعاها عقول تستبطن نورا..
فرج فودة لم يكن مفكرا فحسب بل مناضل، الأفكار إذا لم تقاتل من أجلها ستسقر فى قرار مكين فى كتب على الأرفف كتذكارات الأولين نعود إليها كل حين حنينا، ولكن الأفكار التى ترتوى بدماء صاحبها، يُكتب لها الحياة، لأن روحه تسكن سطورها، تمدها بأسباب البقاء، وتحولها إلى طاقة متجددة، وتجتذب إليها أطيافا كالفراشات منجذبة نحو الضياء، تستمد منها قوة تعينها على التفكير فى مواجهة موجات التكفير التى تحاصرنا.
وذكر، ذكرى استشهاد فرج فودة لا تغيب، وذكراه على وقتها تماما، وأفكار التجديد والتنوير وتثوير الفكر الدينى تشق طريقها منيرة بين دَياجير الظلام التى هيمنت طويلا، واستعمرت العقل فحرفته عن جادة الطريق، وأحالت حياتنا لظلام دامس، لا ينمو فى الظلام سوى الفطريات السامة، أقصد أفكار الجماعات الإرهابية التى تتمنطق بالأحزمة الناسفة للعقول.
فرج فودة فكرة لا تموت، وكلما أمعنوا فى دفنها عميقا فى الأرض الميتة، الأرض البور، رَبَت،. وأينعت، عبق زهورها يضمخ الهواء بعطر التنوير.
لماذا يقلقهم فى نومته الأبدية، لماذا يمحصون فى ديانته، لأنه برز يوما فارسا إلى ساحات الوغى الفكرى فاتحا صدره، منافحا عن فكره، واستشهد متمتمًا بكلمات نافذة، لم يخرسها صوت الرصاص مصوب نحو قلبه.
أسس مدرسة تخرج فيها مفكرون مخلصون، ومشتغلون بالفكر حادبون على التفكير والرفض والمقاومة، وهؤلاء لايزالون قابضين على الجمر، وتمقته وتخشى أفكاره عصبة جاهلة تحت راية عمية، قتلته ولاتزال تحارب أفكاره، وكأنها تحارب معركتها الأخيرة.
فرج فودة وإن قتل غيلة، كتب لروحه الانتصار بالأفكار، وتهاوت عروش قتلته، وصاروا شيعا متحاربة، وكتب عليهم الشتات فى الأرض.
معركة فرج فودة لم تنته بعد، فصلها الأخير أو لنقل حربها الختامية ضروس، وتستوجب مواصلة النضال.
ليته عاش حتى يرى آخر معاقل التطرف تتهاوى فى صَحْراواتها الجرداء، محاصرة فى شِعْب ضيق يكاد يخنقهم، يتلونون كالحَرَابِى (جمع حِرْباءُ)، وهؤلاء مصنفون من الفصيلة الحربائية، من الزواحف، على شكل سامٍّ أَبرصَ، تستقبل الشمسَ وتدور معها كيف دارَت، وتتلوّن أَلواناً.