بقلم - حمدي رزق
قبل «المصرى اليوم» شىء، وبعدها شىء تانى خالص، قضيت جل عمرى محققا صحفيا متقصيا أحوال البلاد والعباد، رحالة بين الصحف السيارة، صعب إحصاء عدد أو أسماء الصحف التى كتبت فيها باسمى فوق هذه السطور أو بأسماء مستعارة كان أطرفها «كبير البصاصين» فى مجلة «كاريكاتير» تحت رئاسة الكبير مصطفى حسين ومستشار التحرير العظيم أنيس منصور، رحمهما الله.
شددت الرحال إلى «المصرى اليوم» بمشورة صديقى الغائب الحاضر أنور الهوارى بعد أن وقعت عين كبير الكشافين الأستاذ صلاح دياب على سطورى مستكشفاً مشروع كاتب مجتهد ذى لغة خاصة، وراهن على اكتشافه ووقف وراءه، وفى هذا الصدد قصة تُروى وفصول لم تُروَ بعد، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو فضل.. وهو صاحب فضل.
انزعج الإخوان قبل ثورة يناير بسنوات من عنف مقالاتى ضد الجماعة ورموزها المتنفذين فى الشارع السياسى المصرى، كنت أفاجئهم فاضحا كذبهم من حيث لا يحتسبون، وهددوا بمقاطعة «المصرى اليوم» وكانوا قوة شرائية ضخمة تأتمر بأوامر مرشدها حتى فى شراء صحف الصباح.
بلغ التهديد صديقى مجدى الجلاد، وكان رئيس تحرير مجيدا لـ«المصرى اليوم»، والتقيته بناء على طلبه، وقبل أن يبلغنى تهديد عصام العريان، لسان الإخوان المطلوق لاختراق الوسط الإعلامى، دخل علينا الأستاذ صلاح دياب مرحبا مستفسرا، فشرح الجلاد له الأمر، وأن مقالاتى عاملة إزعاج شديد للإخوان ويهددون ويسبون ويلعنون وطالقين على «المصرى اليوم» كتائبهم الإلكترونية.
وإذ نطق الأستاذ صلاح بالحكمة قائلا: «اللى يقاطع يقاطع.. فيه كتاب متعاطفين مع الإخوان كثر.. وفيه قلم وحيد ضد الإخوان.. لن نكسره أو نخسره» وتركنا ومضى.. وحتى ساعته ظل «المصرى اليوم» متمسكا بقاعدة التنوع والاختلاف الحميد.
هذا ولأسباب أخرى ما كتب لـ«المصرى اليوم» البقاء حتى العدد 5000، ومكّنها من حيازة ثقة قطاع لا يستهان به من القراء، واللافت أن قطاعا منهم يغضبون من معالجات «المصرى اليوم»، ولكنهم حريصون على مطالعة ما تجود به أقلام المحترفين من كتابها، وأحسب نفسى هاويا لا محترفا حتى ساعته، وعندى كل مقال وكأنه المقال الأول الذى اختار له عنوانه «فصل الخطاب» صديقى أنور الهوارى، وكانت مفارقة فلا أنا مؤهل للفصل ولا للخطاب وما أكتبه يسميه الأستاذ صلاح «فيض الخاطر» وهذا أقرب وأدق توصيف.
التنوع الحميد ضمن لـ«المصرى اليوم» صدور 5000 عدد، ويضمن لها عمرا مديدا، والتنوع والاختلاف سنة الحياة، والقاعدة المرعية الكامنة فى الوعى «كن حصيفا تضمن طول العمر»، لكن «المصرى اليوم» لا تجفل من الكتابات الجريئة طالما استمسكت بالعروة الوثقى وهى مصلحة الوطن العليا، وياما دقت على الرؤوس طبول.
أخيرا غضبت بينى وبين نفسى من «المصرى اليوم » يوما أو بعض يوم، وكدت أغادر هذه المساحة، ولكن قلبى أبدا لم يطاوعنى، وقلمى حرن، بالنون، وانقطع فيض الخاطر، مولف على الكتابة لـ«المصرى اليوم»، عارف سكته ومكانه، وفى الأخير هناك مساحة للعتب، والعتب كما يقولون على قدر العشم، والعشم فى استمرارية «المصرى اليوم» على تنوع مشاربها كبير، وقاعدتها الشعبية قوية، وفريقها التحريرى ونخبة الكتاب تضمن مستقبلا واعدا بعد أن بلغت سن الرشد الصحفى وحجزت مكانا معتبرا بين صحف المقدمة. تبقت النقلة المهنية المرتجاة بعيدا عن التهديد الإلكترونى الذى أجهز على علامات صحفية عريقة لم تطور أدواتها فسقطت من حالق.. ومحدش سمى عليها.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية