بقلم - حمدي رزق
توقفت ملِيًّا أمام تعبير الرئيس السيسى فى مراجعته لمشروع مستقبل مصر الزراعى (أمس).قال الرئيس بعفوية: «إوعى تحط رِجل على رِجل وتتكلم وانت ماتعرفش الموضوع.. الناس بتسمعك والكلام بيكون مرتب كويس.. إنت كده ظلمت نفسك وظلمت الكلام.. لأن الناس تفتكر ان كلامك ده حقيقى».
فيما معناه، وهذا محض ترجمة شخصية، فارق بين مَن يحفر بأظافره الصخر فى قلب الصحراء الصفراء، يُعمّرها ويرويها ويُخضِّرها، يزرع فيها أشجار الأمل، فإذا ارتوت اهتزّت وَرَبَتْ وآتَتْ أُكُلَهَا، وبين مَن يسترخى مُستنيمًا على شواطئ الراحة، ينقش على سطح الماء أحلامًا برّاقة، ويُجسدها قصورًا من رمال يُطيح بها الموج.
مشروع مستقبل مصر الزراعى بدلتاه الجديدة برهان على ما ذهبنا إليه من التفرقة بين هذا وذاك هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا: رجال صدَقوا، يزرعون الصحراوات بالحلم الأخضر، وفى إخلاص وعزيمة، ونسب تنفيذ باليوم وعلى مدار الساعة وفق توقيتات موقوتة، فى سباق مع الزمان، ومَن يتلذّذ بحديث مخاتل، يمضغه كعلكة (لبانة) يتشدق بها فصاحة، ويُنظِّر من التنظير غير المُكلِّف، ما يسمونه «حديث الأولويات»!!.
يصح حوار حديث الأولويات، وله حيثياته، وجهات نظر مقبولة فى سياق تلاقح الأفكار، ولكن أليس مشروع الدلتا الحديدة، الذى تكلف مليارات كأكبر مشروع زراعى مصرى فى العصر الحديث، يدخل فى قائمة الأولويات، أليس استصلاح ملايين الفدادين بغية توفير نسب مُقدَّرة من الاكتفاء الذاتى من فقه الأولويات، أليست مضاعفة المعمور من المساحة المصرية من ٦٪ إلى ١٤.٥٪ من الأولويات، أليس مشروع المليون ونصف المليون فدان، وإحياء مشروع توشكى من الأولويات؟!.
وتحديث مصانع المحلة الكبرى وكفر الدوار والدلتا للصلب ومجمع مصانع الفوسفات ومجمع مصانع الرخام فى باب الأولويات
مَن ذا الذى يضع الأولويات وماهية الأولويات؟. إن الأولويات تشابهت علينا، هل تحديث سكك حديد مصر، ومد شبكة سكك حديدية حديثة، هل تحديث الطرق والمحاور وفتح رئات (جمع رِئة) لتتنفس القاهرة وعواصم المحافظات، وإتاحة سكن آدمى «حياة كريمة» من الأولويات؟.
وهلم جرا، والنموذج مشروع مستقبل مصر الزراعى، هل يُمارى مُنظِّرو الأولويات فى أولوية هذا المشروع العملاق لكفاية المصريين من الغذاء، والتصدير؟.
سيُفاجئك مُنظِّرو الأولويات بثنائية للتعليم والصحة، وهذا حق، ولكن هل ما يجرى فى قطاع التعليم وهو ما يشبه الثورة التعليمية (تحديثًا) وما يشهده قطاع الصحة من مخصصات، ومشروع التأمين الصحى خافٍ على المتحدثين بالأولويات؟!.
العِند السياسى يُولِّد الكفر بالمنجزات، التى تتحدث عنها تقارير المنظمات الدولية، التى يستند إليها هؤلاء فى تدبيج حيثيات حديث الأولويات.
لا نُشكِّك فى إخلاص المخلصين وطنيًّا، ولكن بعض الموضوعية، الواقعية فى التنظير، الأوفر على المعلوماتية اللازمة للمصداقية مستوجب.
شَغل الفضاء الوطنى بحديث الأولويات، وكأن ما يجرى وقائعه على الأرض يخاصم الأولويات، لا يستقيم منهجيًّا ولا علميًّا، ظلمٌ بَيِّنٌ. بعض الإنصاف، فالحفر فى صخور الجبال يحتاج تضافر الجهود، وحفز الهمم، وعَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتى العَزائِمُ، وَتَأتى عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ، وربنا يكرمنا ونعدِّى الصعب ونفوت على الصحراء تخْضَرّ.. قادر يا كريم