بقلم : حمدي رزق
هُوَ أَوَّلٌ وَهِى المَحَلُّ الثانى
فَإِذا هُما اِجتَمَعا لِنَفسٍ مِرَّةٍ
بَلَغَت مِنَ العَلياءِ كُلَّ مَكانِ(المتنبى).
تخيل من الخيال، ضابط مصرى، يادوب معين وزير دفاع، والنجوم والسيوف تلمع على كتفيه، ويجلس فى الصف الأول ترمقه العيون بافتخار يعجب الشطار، ويحتفى به حفاوة أينما حل، وينزل فى القوم كريم منزل، وله العتبى حتى يرضى، وله ما له من السمع والطاعة فى جيشه، ويلقب بوزير الثورة، وزير دفاع بنكهة الثورة، هكذا كانوا ينافقونه، وأنف نفاقهم الممجوج، ومعروض عليه ذهب الأرض إذا رغب، وعباءة الخلافة محلاة بالقصب على كتفيه، يلبسه إياها مرشد القوم، ويوسدون له حكما، وهذه الأنهار تجرى من تحت قدميه.
فقط يدفع الثمن، ينحاز لجماعة شيطانية اختطفت مصر فى غفلة تاريخية من أهلها، بفعل فاعل أثيم، يمشى بين الناس بنميم، ويلقب بعاصر الليمون، بَرَز الثَعلَبُ يَوماً فى شِعارِ الواعِظينا، يسرح بين الخلائق مبشرا بأنهار من العسل واللبن، لذة للشاربين، ثم ينام ملتاثًا فى فراش العدو، النوم فى فراش المرشد، كانوا يختانون شعبهم فى المضاجع الإخوانية ليلا، ويصبحون مترعين منتشين من خمر الخيانة، وصباحا يرسمون البطولة الثورية على الوجوه.
«النوم مع العدو»، ليس فيلما أمريكيا رائعا فحسب، بل نسخته المصرية هى الأصل، وتتميز بالواقعية الوقحة.
تخيل ضابطا مصريا، اسمه عبدالفتاح السيسى، ضابطا من بين الصلب والترائب فى لحظة تاريخية، والشعب غاضب، وينادى على جيشه أن انتفض، ولا يلوى القائد على شىء، لا على حياته، ولا على أولاده، ولا شىء بالمرة يخشى عليه سوى تلبية النداء، وهو يعلم أن الفشل (لا قدر الله) ينتهى بحياته متهما بأشنع التهم والنعوت والأوصاف، مثل (البطل عرابى) فى سالف الدهور، نموذج ومثال.
أحدثكم عن بطل مصرى لم يكن بين يديه وعد ولا عهد ولا ضمان حياة، يخاطر، ويركب السفينة، والموج عات، والسماء مرعدة، فيها رعد وبرق يصم الآذان وتجفل من هوله القلوب فى الصدور، والأساطيل تحوم حوم الضباع تتلمظ للفريسة الثمينة.
بطل مصرى ينفر لا يهاب، فيضع رأسه على كفه، ويقدمه، والخلصاء من قادة القوات المسلحة والشرطة، قربانا لهذا الشعب الذى لم يجد من ينصفه أو يحنو عليه.
الانحياز للشعب كان ثمنه فادحا، ولو حسبها الشجعان للحظة لغارت شجاعتهم فى قرار أنفسهم، ولكن فى الشعوب الأبية، بين الصفوف المتراصة فى حب الوطن، ويصلون صلاة مودع، بين الصفوف دوما أسود إذا أحست بالخطر يتهدد العرين زأرت، زئير الأسد، فارتجت الغابة، وكل قرد بسديرى راسم نفسه أسدا على الخلايق لزم شجرته، مرعوبا.
معلوم، إذا زأرت الأسود اختبأت الخراف، وزأرت الأسود وفرت الخراف. المرشد تحت نقاب أسود بلون ليلهم المظلم، وكتب للشعب حياة.