بقلم - حمدي رزق
ولقد نجا.. نجا المستشار «أحمد عبده ماهر» من فخ الفقرة «واو» ونال براءة مستحقة من تهمة الازدراء، عقبال الروائية «سلوى بكر» المهددة بالفقرة «واو»، متهمة أيضًا بالازدراء.
وتنص الفقرة «واو» من (المادة ٩٨) من قانون العقوبات المصرى على أنه: «يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين فى الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى».
لو أحسن (المتحاورون فى سياق الحوار الوطنى) لهذا الوطن، لتوفروا على إلغاء الفقرة «واو»، فقرة الازدراء، بقاء هذه الفقرة على ما هى عليه، وبما تحتوى عليه من عقوبات سالبة للحريات، ويكتوى بحروفها الكتّاب والمفكرون والمجتهدون، تناقض كونها دولة مدنية حديثة.
دولتنا المدنية التى غادرت مربع الإخوانية بشق الأنفس وبدماء طاهرة، للأسف غفلت عن هذه «الفقرة»، ما يعطى «جماعة الحرف» سبيلًا لرفع المزيد من القضايا على المجتهدين، وتفتح الباب لتقييد حرية الفكر، ومطاردة المفكرين.
الجماعات المتسلفة تُنقب عن جملة فى رواية أو شطرة فى بيت شعر، أو خط متموج فى لوحة، أو لفظ طائش فى حوار فضائى لتقيم الدنيا ولا تقعدها قضائيًا، مهتبلة الفقرة «واو»، لها سند من القانون.
الحكومة المصرية التى تعلنها آناء الليل وأطراف النهار دولة مدنية ديمقراطية حديثة، لا تحرك ساكنًا تشريعيًا للخلاص منها ومن تبعاتها.
رفض إلغاء هذه الفقرة المطاطة أو المساس بها، وإجهاض محاولات معتبرة للخلاص منها، أخشى أنه موافقة ضمنية على قمع أى محاولة للتفكير خارج أسوار مؤسسة سجن الفكرة ووأد الأفكار!!.
هل ترى الحكومة ضرورة لوجود هذه الفقرة الرهيبة، وأين استراتيجية تجديد الخطاب الدينى من الإعراب؟ أى محاولة للتجديد، قل للتفكير، ستُواجه حتمًا بقضية ازدراء، وإذا تجرأ أحدهم مغردًا خارج السرب، فى البراح الفكرى، مصيره السجن وبئس القرار.
وجود هذه الفقرة «واو» من (المادة ٩٨) يشكل إحباطًا كاملًا لمحاولات جد حثيثة لتحرير الفكر وتجديد الخطاب الدينى، ببلاغات تهتبل الفقرة «واو»، تحولت فى أيدى المتسلفة إلى سوط عذاب، ترهيب للمفكرين.
هذه الفقرة الثعبانية تلتف حول رقاب المفكرين، تحولت بفعل مرجعية المؤسسة الدينية إلى حية تسعى تلقف كل محاولات تجديد الفكر، وتحديث المحتوى، تسجن أى فكرة إذا ارتأت المؤسسة، وتحصن منتجات هذه المؤسسة ضد النقد والنقض والجرح، والجرح كما هو معلوم من علوم الحديث.
معلوم من أدبيات الحقوق والحريات لا يوجد حق طليق من أى قيود، لكن هنا قيد من خارج العدالة، قيد المؤسسة الدينية، وهو قيد ثقيل لو تعلمون خطير، أن تقرر المؤسسة أن تُعمل فى رقابنا النص نصلًا، وماهية المرجعية، هى نفسها المؤسسة التى تحتكر التفسير «حصرى»، باعتبارها ناطقة بصحيح الدين!!.