مَثْل شعبى لم أعثر له على مرجع معتمد في معاجم الأمثال الشعبية «اللى يقول بِم على قلبه وزم»، ومعناه اللى يفتح بقه سده ببلاغ إلى النيابة وجرجرة على المحاكم بتهمة الازدراء.الروائية الراقية «سلوى بكر» متهمة بالازدراء، وهى تهمة باتت شائعة، كالحية تلقف المثقفين، منهم من قضى سنوات في السجن، ومنهم من ينتظر، ومن يفكر قد استهدف، ومن فاه بقول فليتبوأ مقعده في المحكمة.
ماذا قالت «سلوى بكر» لتقوم قيامة «المحتسبين الجدد»؟، هل مست ثابتا دينيا؟، هل جدفت قولا؟، هل غمزت في قناة؟، قالت ما جادت به قريحتها في شأن تعليم الصغار. وجهة نظر يُرد عليها بالقول، ورأى في مواجهة رأى، والحجة تقارع حجة.. وكفى شر البلاغات.
الازدراء تهمة مطاطة، يهتبلها نفر من «المحتسبين الجدد» لترهيب المفكرين، ووأد الأفكار، وسحب المجتمع إلى ظلمة حالكة.
عودة ظاهرة «المحتسب» التي كنا لفظناها قبلًا نذير شؤم، والمحتسب والحسبة من مخلفات عصر مضى، كان المحتسب (وعادة غاوى شهرة) يظهر في قاعات المحاكم متكئًا على عصا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ليلهب ظهورنا تفسيقًا وتكفيرًا.
الخشية كل الخشية من عودة المحتسب في طور جديد، اهتبال الحق في التقاضى، والتشهير بالناس، ووضعهم أمام القضاء متهمين بالازدراء الدينى، والسعى إلى سجنهم، وحسابهم على ممارسة أبسط قواعد الحرية الفكرية.
السؤال: من أعطى الحق لهذا أو ذاك لترهيب المجتمع بسيف الازدراء، والوقوف من الخلايق موقف المدعى، وإحالة من تسول له نفسه أن يتنفس حرية إلى متهم في القفص؟.
صحيح تحريك الدعوى العمومية من حق النيابة، ولكن الحركة الدؤوب لجماعة المحتسبين الجدد جديرة بالتوقف لتبين من وراء هذه البلاغات، ومن هو محركها الفعلى، لا أهضم فقط كونها بلاغات للشهرة، أذهب بعيدًا إلى جماعات بعينها تحرك هذه الدعاوى لتقليم أظافر المجتمع وقمع الحرية الفكرية.
النهر يغسل أدرانه، فقط دعوه يمضِ، لكن أن يتطوع نفرٌ من المدعين ليشكلوا من أنفسهم رقباء على الفكر ويجرجرون من يقع تحت أيديهم إلى ساحات المحاكم.. فهذا جد خطير ويقمع المجتمع.
القانون جعل تحريك الدعوى العمومية من حق النيابة العامة، للجم ظاهرة المحتسب الذي كان يهتبل القانون اهتبالًا ويسوم البشر سوء العذاب.
كنا قد غادرنا هذا المربع المخيف، كيف عدنا إليه؟
عاد المحتسب يبحث عن خط في لوحة، وشطرة في بيت شعر، ولفظ في رواية، وعُرى في صورة، وتجسيد في تمثال.. يقتنصون جملة من نص وافٍ ليثيروا زوبعة، ولفظًا من دردشة في برنامج ليقمعوا اللفظ، ويقبّحوا البشر، ويشقوا القلوب اطلاعًا على النوايا.
وحتى لو انتصر القضاء للحريات، يبقى الفكر نهبًا لفزّاعات التكفير، ويتحول إلى هدف ثابت ولوحة نيشان لكل من في نفسه مرض، بلاغات الازدراء صارت بضاعة نفر من المتبضعين، لا تكلف كثيرًا، ولكن تخلف كثيرًا من القلق على الحريات الشخصية، وفى القلب منها حرية الإبداع.
اهتبال القانون على هذا النحو، ووقوف طائفة من المفكرين أمام منصة القضاء ويصير العنوان العريض «الحرية في المحكمة».. هذا يورثنا الخوف والخشية من تمدد الظاهرة.. ظاهرة «المحتسبون الجدد». وإذا سكتنا عن دعم سلوى، فـ«أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض»!!.