الشاطبى، يرحمه الله، هو أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمى الشاطبى، من علماء الأندلس، وشهد له العلماء بمآثره العديدة.
يقول الشاطبى ما معناه (بتصرف): «الفقه بلا مقاصد فقه بلا روح، والفقيه بلا مقاصد فقيه بلا روح، إن لم نقل إنه ليس بفقيه، ومن هنا تبرز حاجة المجتهد (الفقيه) إلى معرفة مقاصد الشريعة التى هى الروح».
حسنًا فعل السيد الرئيس، المد للدكتور الفقيه «شوقى علام» مفتيًا للجمهورية تكليفًا بأمانة الفتوى، وهى أمانة ثقيلة، والأمانة يحملها الأمناء المؤتمنون على مقاصد الشريعة.
لا تنقصه روح الفقيه، وبالسوابق وطوال فترة حمله للأمانة نذر علمه لتأسيس ما يسمى «فقه مقاصد الدولة الوطنية»، واجتهاداته الفقهية جميعًا تصب فى هذا الاتجاه الوطنى المعتبر.
«فقه الدولة الوطنية» فقه حديث، ندرةٌ هى الاجتهادات فى السياق، ورغم أن الدولة أقدم كثيرًا من الجماعات جميعًا، ولكن لم تنفر المؤسسة الدينية الرسمية لتأصيل فقه الدولة، وغفلت المرجعيات المعتمدة عن تأصيله واستنباطه واستزراعه، وطنًا وعلمًا ونشيدًا.
جماعات الخوارج عبر قرون استقتلت فى الأمر، بمعنى اشْتَدَّت فيه وأمْعَنَت، فى مقاومة فقه الدولة، فنزعت القدسية عن الحدود، وتجاوزت الجماعات الحدود، كل الحدود، وصار الانتماء للوطن محل شك كبير.
الدكتور شوقى علام باجتهاداته المؤصلة على القرآن والسنة وسيرة المصطفى، عليه الصلاة والسلام، يعوض غيبة الاجتهادات الفقهية المؤسسة لفقه الدولة الوطنية، ويرفع فى وجه الجماعات فقهًا مواجهًا لا يخشى فى حق الله لومة لائم.
يناصبونه (الإخوان والسلفية والجهادية) العداء، ويشنون عليه غارات همجية عبر منابرهم الإلكترونية، ولكنه يتجاهلهم، والتجاهل كما قال طيب الذكر «جبران حليل جبران»، «انتقام راقٍ، صدقة جارية على فقراء الأدب».
الدكتور علام، كما خبرته لسنوات، مُفتٍ قوىّ الشكيمة لا يلين، ولا يلقى بالًا لتخرصاتهم، ولا يتولى يوم الزحف، ويأنف القعود، وينفر ما أمكن إلى تأصيل وتأسيس فقه الدولة الوطنية.
القعود كلفنا خسارة الغالى والنفيس، قعودًا عقودًا تشكل قرونًا، سمح لفقه الجماعة بأن يسود ويستشرى ويتمدد فى الأرض الخلاء، فقه يستهدف الدول تكفيرًا، ويوطِّئ للخروج على الحكام، ويكفّر المحكومين ويصمهم بالجاهلية، جاهلية المجتمعات المكون الرئيس لفقه الجماعات تمددًا فى البراح.
مستوجب نفرة المؤسسة الدينية بمدارسها ومؤسساتها على خطى مفتى الجمهورية لملء الفراغ الفقهى الذى احتلته الجماعات بـ «فقه الجماعة»، الذى استشرى بين الناس سُمًّا زعافًا أصاب الوطن فى القلب منه.
ما يرشح عن الدار العريقة من فتاوى عصرية خليق بالاعتبار، ويوقن أن فى الدار عقلًا تنويريًا فاهمًا وواعيًا لفقه الحياة، ولا يعانى انغلاقًا.. ما صدر من نفحات فقهية عن عقول امتحنت فاعتبرت وتدبرت وحكّمت عقلًا فى النصوص، فلم تجافها، بل استخرجت من بطونها ما يجلى المقاصد الإنسانية فى تجديد الفقه الإسلامى.
أقول قولى هذا بعد تمعن عميق فيما صدر عن الدار من فتاوى، فى «فقه المقاصد» ستحفظه مجلدات الدار لأجيال ستأتى لتطالع اجتهاد فقهاء لم تلفهم الجائحة بظلامها الثقيل، بل كشف عنهم الغطاء، فأبصروا منافع للناس.
لله دره، المفتى الدكتور «شوقى علام» صاحب الذهنية التى عملت بجد واجتهاد مؤسس على فقه متجدد، عقلية جُبلت على الخيرية، وفهمت النص فهمًا عقلانيًا لم يجافِ مقصدًا ولا جرح نصًا، بل أضاف إلى ما سبق وبنى عليه من فهم عاقل لفقه المقاصد.