بقلم - حمدي رزق
لفتنى تعبير بليغ يلخص الحالة الشعبية المصرية: «شعب مالوش كتالوج»، يفاجئك بما لا تتوقعه، ودومًا مفاجأته سارة، جد تغبطك.
يسر قلبك الطيب فتح أبواب الكنائس لاستضافة طلاب الثانوية العامة لتأدية فروضهم الدراسية فترات انقطاع الكهرباء، وميه ساقعة، وعصير، وعناية أبوية، مصر فيها حاجة، حاجات حلوة، فيها شمعة منورة فى قلب الظلام. هنيئًا للآباء الكرماء فى كنائس المحروسة حسن صنيعهم، وترجمة هذه العطفة الطيبة عند من يفقهون، شعب جميل، يعبر عن نفسه جيدًا فى الملمات، يأتى عجبًا.. الحالة الشعبية المصرية استثنائية، عصية على التفسير السياسى، خارج النظريات المعتمدة فى مراجع السلوك الجمعى وقت الأزمات، شعب «مالوش مَلْكة»، عندما تستشعر منه يأسًا، يبهرك من فرط التفاؤل، وعندما تخشى منه غضبًا يسعدك برضاه.
المصرى الجميل يأكلها بدُقة ولا سؤال اللئيم. وحامد وشاكر ربه، وإذا سأل يسأل الله، وإذا ضاقت فرجت، وصبر جميل، لا يأكل سُحتًا، ولا يقرب حرامًا، ويخشى من ولاد الحرام، لأنه ابن حلال مصفى، ومصلى، ويعرف الله حق المعرفة، فطرته سليمة، ومعدنه حقيقى، غير مصنوع ولا يلون وجهه بالأصباغ، كالبلياتشو يُضحك المهرجين الذين يجولون فى الفضاءات الإلكترونية ببضاعة مضروبة.. خلو من الصدق والطيبة.
هذا شعب الأكرمين، أنت فى حضرة شعب علَّم الدنيا الكرامة والعزة والمحبة والتوحيد، شعب عصى على المحن، وياما دقت على الرؤوس طبول، وشعاره الأثير، كما قال ابن النحوى «اشتَدِّى أزمَةُ تَنفَرِجى».
هذا الشعب الطيب ترضيه تاخد منه عينيه، تداويه يدعيلك بالصحة، تستره يتمنى لك الستر، شعب صابر وقانع وغلبان قوى وعاوز يربى عياله، ويستّر بناته، وفى الدنيا منيته أربع حيطان يتدارى فيهم من غدر الزمان، وفى الآخرة حفرة وقطنة وموتة كريمة، وربع قرآن مما تيسر من آيات الذكر الحكيم.
.. الشعب المصرى لمن خبر معدنه شعب أصيل، من الأصالة، يعرف الفضل لأهل الفضل، شعب يعرف العيبة ويحترم الشيبة، يميز الطيب من الخبيث، ويحب الحب فى أهله، ويستشعر الكره من أهله، ويأنف الكذابين، ويلفظ المتجبرين، وأطاح بالجماعة «الإرهابية» فى ٣٠ يونيو بنفخة من روحه، ولايزال قابضًا على جمر الوطن، صابرًا محتسبًا، وإن جاع وإن تعرى سماء مصر تظلله، وعناية الله جندى.
شعب يضرب الأمثال جميعًا، نموذج ومثال، شعب راضٍ بالقسمة والنصيب والمقدر والمكتوب، وشعاره «اللى مكتوب على الجبين لازم تشوفه العين»، شعب تفرحه انتصارات شبابه يرى فيهم حلمه، ويرقص على الطبل البلدى حبًا فى أغلى اسم فى الوجود، ويقف زنهار تحية للعلم، وتدمع عيناه على أغنية «يا حبيبتى يا مصر».
شعب جميل محب للحياة، وضحكته مجلجلة، يقهقه فى وجه الزمان، ويقهر الظلام بشمعة منورة، ويمنى النفس بغد أفضل، ويغنى فى الليل لما خلى، وإذا أشرقت الشمس يغنى مغتبطًا، يا صباح الخير يا اللى معانا، وإن أحب عشق، وإن عشق يعشق قمر، شعب طيب وجدع وكريم، شعب مفطور على الصبر، ولا عمره اشتكى ولا قال آه، يضحك من جوه قلبه وملء شدقيه، ويسخر حتى من ألمه، جمل الحمول يسخر من تخفيف الأحمال، وفى شدته المعيشية محتسب، وفى فرحته بنتيجة الثانوية مبتهج، ربنا يسعد قلب من يريح قلبه ويؤمن عيشه ويرسم مستقبل أحفاده.