بقلم - حمدي رزق
فى صمت بليغ يسعى ملايين الطيبين على الرزق الحلال دون جلبة أو صياح، ويتفننون فى تدبير المعايش، منهم موظفون، وفلاحون، وعمال، وأطباء، ومهندسون، وعلماء، وعمال باليومية يترجون الله فى حق الغموس، لا يشغلهم لغط، ولا عبث، ولا «فيس»، ولا «تويتر»، ولا يستشرفون «ترند»!!.
وناس تصادر على المستقبل فى ترند مصنوع مصبوغ بألوان قوس قزح يزغلل العيون، تتلهى عن الحاضر والمستقبل، باجترار ماضويات لا محل لها من الإعراب الآن، قُتلت بحثًا.
قلقة الماضى، ومعاركه، بضاعة منتهية الصلاحية، لا تسمن ولا تغنى من جوع، لن تفيد فى معركة المستقبل، لا نجنى منها إلا خسارة.
ناس طيبة فى عرض علاوة دورية، تترجى الله فى حق الغموس، ومشغولة فى تدبير المعايش، مشغولة بلقمة العيش، ومصاريف العيال، وإذا مرض أحدهم (رقيق الحال) كانت فاجعة. مرض خراب ديار.. والذى يجول بين الطيبين يعرف الكثير من المآسى فى زمن عصيب.
وناس فى قمة المسؤولية والانضباط، فى القيادة والحكومة، تدرس الحال والأحوال فى زمن الحرب على غزة، تحسبها وتتحسب، وتتوقى مغبة حروب الكبار على مصالحنا الاقتصادية، تحسب الخسائر المحققة، والمحتملة، وكلفة الحرب على طعامنا وشرابنا، وتُعيد رسم الموازنات، والتوازنات، تقطع من لحم الحى لتسد به الحاجات.
ناس وناس، ناس يتلهون عن المعايش بسفاسف، ناس تعتنق المذهب الشكلانى، وناس على المذهب العقلانى، ناس تبنى وتعمر الصحراء، وناس لا شغلة ولا مشغلة سوى السفسطة فى اللخبطة وضرب المصالح الوطنية العليا فى خلاط التخليط والتثبيط والتحبيط، للأسف نتلهى عن الأعمال الوطنية الشاقة، بصور مخلقة فى أقبية مسحورة للإلهاء.
ناس مشغولة بابن تيمية، والأشاعرة والماتريدية والمعتزلة والجهمية من الفرق، والفروق بينها، وموقعها من المذاهب الأربعة.
البسطاء مثلًا لا يعرفون لماذا الأزهر الشريف أشعرى.
فقط يعرفون أن الدين عند الله الإسلام، ويصلون على خير الأنام بقلوبهم وألسنتهم ويرفعون أكفّهم ضراعة، تمسح وجوههم طلبًا للبركة، ويقبلون أكفهم وش وضهر، حمدًا لله على نعمة الصحة والستر، واللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال.
ناس تبحث عن موطئ قدم فى المستقبل، وناس أقدامها مغروسة فى الماضى لا تود أن تفارقه، فراسخ بين هؤلاء وأولئك. هؤلاء الطيبون يستحقون كل الخير، ويسعون فى الخير ويكدون ويشقون ويتعبون ليل نهار، ويحمدون الله كثيرًا، وأولئك نهمون، لا يشبعون أبدًا، يحاربون، ويتجادلون، متفرغون للجدال، لا للبناء، لا يُترجى منهم خير، يتأبطون شرًّا، ويبيتون على ثأر.
عجبًا هذه القلة القليلة تحتل الفضاء المجتمعى عنوة، ويحاربون، ويتنابزون، يحرفون بوصلة الوطن، ويُربكون الأولويات، ويعكرون المزاج العام، ويفتنون الناس فى حياتهم، ويُنكدون عليهم، ويشغلون الفضاء المجتمعى بقضايا لا تبنى وطنًا، ولا تُقيم حائطًا، بل تهدم الحوائط جميعًا على رؤوس الطيبين، ويورثونهم يأسًا وقنوطًا.
ناس وناس، ناس يحرفون البوصلة عن الأولويات الوطنية، ولا يقرأون كتاب الوطن، يطالعون كتبًا صفراء، يستخرجون من الأضابير أساطير مسطورة، دون تبصُّر بتغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد، وهو أمر مقرر صحيح.