ابتداء، لا أشق على هيئة الانتخابات، تخصيص وقت مستقطع يوميا، ساعة آخر النهار، لتحرير توكيلات مرشحى المعارضة المحتملين، لعل وعسى أن يبلغوا النصاب (وهذا غير وارد ويحمل تمييزا).
لو أحسنت أحزاب المعارضة أداء واجبها الوطنى بأريحية سياسية، لوفرت توكيلات كافية لبلوغ النصاب الانتخابى لمرشحيها جميعا، دون استثناء مع غفران التباينات السياسية مؤقتا، وتمكين كل من يرغب في الترشيح من النصاب، ونترك الاختيار الحر بينهم للقواعد في الحركة الوطنية.
يسمونه الطريق المرصوف لبلوغ النهائيات، الطريق الدائرى عبر جمع التوكيلات من المحافظات، بحجم النصاب الدستورى يستحيل على بعض المترشحين المحتملين، ولهذا نسمع الصراخ في الفضاء الإلكترونى، ضجيج بلا طحن، عويل بلا توكيلات. ربنا رزقنا بنفر من مرشحى آخر الزمان.
يشتكون لوكالات الأنباء من التضييق عليهم في الحارة المزنوقة «مكاتب التوكيلات»، ما يحول دون وصول مناصريهم لتحرير التوكيلات، وكأنها مؤامرة كونية على فرصهم في بلوغ السباق الانتخابى، وعليه مطلوب إخلاء المكاتب لمناصريه أولا، واستقبالهم بزفة وطبل ومزمار، باعتباره مرشح العناية الرئاسية!!.
ما هذا الهراء السياسى، وكأنه يعيش في بلدٍ آخر، أو قادم من الفضاء، سلو بلدنا المعارك الانتخابية تكسب على الأرض، في معاقل الأصوات الانتخابية وخزاناتها التصويتية، في الغيطان، والمصانع، والدواوين، والمقاهى.
إزاء كتل تصويتية ضخمة، الموظفين، المعاشات، الفلاحين، العمال، يحكمها قانون المصلحة المباشرة، طيب بلاها عمال وفلاحين ومعاشات، أين توكيلات النخب السياسية والثقافية والحقوقية المتحمسة لرفع السقف السياسى، وتداول السلطة، لماذا الإحجام عن تحرير توكيلات لمرشحهم الأثير الذين يحاربون بسيفه الخشبى في الفضاء الإلكترونى؟!.
المعركة الانتخابية تُكسب على الأرض، أبدا ليست في الفضاء الإلكترونى، وليس بالترند تُكسب الأصوات، الترندات لا تترجم توكيلات، افتعال ترندات على هامش الانتخابات، كتدوين الهوامش على المتون، المهم المتون الرئيسية التي تلخص شواغل الناس، والطروحات البديلة، والمحسنة، وهموم البسطاء.
البعض يتعاطى مع الاستحقاق الانتخابى الرئاسى بخفة سياسية، وعينه على الترند، وإحداث حالة عنوانها، «كرسى في الكلوب»، طوال الوقت شكايات، وبلاغات، وقصص وحكايات ومرويات، وكأنه معبود الرياح، يرسم صورة إلكترونية كرتونية، درسها على أيدى خبراء خارج الحدود، وخلاصتها: كيف تصنع من الحبة قبة يتحلق من حولها الناس تبركا!!.
سلو بلدنا، انتخاباتنا تعانى من جملة أمراض متوطنة ومزمنة، لن تبرأ منها إذ فجأة، آليات الانتخابيات لم تتغير بعد ثورتين، لا تزال العصبيات والعائلات والكتل التصويتية مسيطرة على المشهد الانتخابى، ومن يتجاهلها، ومن يترفع عن أدبياتها، ومفاتيحها، يضل الطريق، ومن يتجاهلها، كما الدخول في حارة الإخوان المزنوقة لن يغير من خارطة GPS. المرشح الحاذق يخاطب الناس على قدر حاجاتهم.
يسمونه المرشح الواقعى العضوى المتفاعل مع بيئته الانتخابية، أما المرشح الأجوف، كما حصان طروادة، ينسل إلى داخل المدينة خفية، فإذا صحت المدينة على جلبته، يهدد بمغادرة الميدان، ويعلق حملته على حرف، أقصد على توكيل، دونه خرط القتاد، وكأنه بلغ النصاب إلا توكيلا، ويخرج على الناس شاكيا متباكيا، ويتبعه الغاوون في طريق المقاطعة والخروج من السباق بخفى حنين.
سياسة احلبى يا دولة يا عميقة توكيلات لأكسر قرنك، ومش لاعب، وهفرج عليكم الأمم، وأقلب عليكم المنظمات، وهجرسكم في الفضاء الإلكترونى، أساليب بالية، عفا عليها الزمان.
إزاء فرصة حقيقية لطروحات برامجية واقعية، فرصة للرواج السياسى وتوسيع المجال العام، وإحداث نقلة نوعية في الحالة السياسية الوطنية، ارحمونا الانتخابات مش ناقصة مرشحين.