بقلم - حمدي رزق
بَهجة وجمعها، بَهَجات، والمعنى، لذّة، راحة، وبطل «عتبات البهجة» رجل جاوز الخمسين من عمره، يتأمل ما مضى من حياته، يحاور نفسه ويسأل صديق عمره ونظيره فى السن: لماذا كلما اقتربت منَّا البهجة ابتعدت عنَّا؟.
«عتبات البهجة»، أيقونة الروائى الجميل «إبراهيم عبد المجيد» توقعا، بَهجة دراما رمضان، يجسدها الفنان القدير «يحيى الفخرانى» برؤية تلفزيونية للشاعر الكبير «مدحت العدل»، لا يجتمع ثلاثتهم إلا على عمل مبهج، من البهجة.. بعض من البهجة يخفف حرور الحياة. «عتبات البهجة» بَهجة حقيقية، لا تقل جمالا عن أيقونة العم إبراهيم العذبة «لا أحد ينام فى الإسكندرية»، مفطور على رسم الأيقونات الروائية، ليته يفكر مليا فى عنوان يضيفه إلى مجموعته الإبداعية «لا أحد ينام فى القاهرة»، أظنه لم يعرف بعد طعم النوم فى القاهرة، ما ينام الليل غير أبوقلب خالى، ولا يرتاح غير اللى فكره خالى. تلفتنى منشورات العم إبراهيم على «فيسبوك»، مبدع فى صياغة التفاصيل اليومية البسيطة، أقرب ليوميات تنبض بحب الحياة، يحلم يكتب حلمه، يجافيه سلطان النوم يتسلطن، يصحو مبكرا مع العصفور فرحان يغنى للندى والنور، يعانى صداعا تتألم معه، قدماه متعبتان، جسمه مكسر، وهكذا دواليك تعيش مع عم إبراهيم حكاياته البسيطة. حكايته مع سائق التاكسى الشاب الذى عطف على شيخوخته، وعلى السيارة التى جاءت مسرعة لم ترحم بطء خطوته، يصحبك إلى ندوة يتألق فيها فى وسط البلد، ويعرفك على أصحابه الحميمين والعابرين، تندمج مع أحبابه وكأنك فى معيته. يكتب بلغة ناعمة كالقطيفة، تنساب على الصفحة الإلكترونية بسلاسة وعذوبة، دون تقعر أو ألغاز، بسيط عم إبراهيم، تشعر بأنه يحدثك عنك وعنى، يكتب تفاصيل مدهشة، لم يغادر مربع الدهشة، وبكارة الحكى، ونعومة اللفظ، وانسيابية الجملة، يصح أن يجمعها فى مجموعة قصصية، لا أحد ينام فى القاهرة، يوميات كاتب سكندرى يعيش القاهرة بجسده وروحه هناك على شط إسكندرية. حتى وهو متألم أو متأفف، أو ضيق الصدر حرجا، لا يزعجك مطلقا، فى حالة سلام جميلة مع ذاته، ومع الناس، ومع الحياة، يدهشك بينبوع شغف لا ينضب، شغفه إكسير حياته، لا يزال يملك مخزون شغف يملأ محبرته فيكتب بمداد نابض بالحياة. حتى وهو يكتب معارضا، مهضوم ومألوف، وإذا أحب يكتب محبا فتحب حروفه.
ويكتب عن بيته فتحس بالدفء، وعن شريكة حياته فتأنس إليها، يملك ناصية الحرف، طيعا لينا بين أصابعه، طوع بنانه، لا ينهج ولا يلهث وراء جملة عصية، سيال قلمه، يكتب فحسب عندما تلح عليه الكتابة. أقرب للشعراء ينتظرون طلة عرائس الشعر فى غسق الليل، الملهمات الفاتنات، ليفيض إبداعا على شواطئ الروح، فتتجسد الحروف راقصة على صفحة اللوح الإلكترونى. بين سطور العم إبراهيم عبد المجيد حياة كاملة، تعب هى الحياة، وحب الحياة حياة، والحياة تستحق الحب، نور الصباح حياة، ولادة النجوم حياة، شروق الشمس حياة، دخول الليل كما بزوغ الفجر حياة، يعيش دورة حياته كاملة، لا يترك ثانية تمر دون شغف بالحياة..
لم ألتق العم إبراهيم، أخيرا تقطعت بنا الأسباب، ولكنى ألتقيه إلكترونيا صباح مساء، وهذا من بَهجة الحياة