أُخلى مساحتى لعناية الدكتور مينا بديع عبدالملك، عضو المجمع العلمى المصرى، ليحتفل وإخوتى بالذكرى السادسة لرحيل البابا شنودة الثالث والتى تحل فى 17 مارس من كل عام قبيل عيد الربيع، وهو احتفال مصرى خالص ببابا العرب الذى يستحق احتفاء خاصاً من كل المصريين.. وإلى رسالة دكتور مينا بديع.
البابا شنودة الثالث البطريرك 117 له ذكريات طيبة فى نفس كل من تعامل معهم. وإن كان فى الحقل الأكاديمى يتذكر التلاميذ أعمال أستاذهم بإنتاجه العلمى المتميز، فإن أبناء الكنيسة الأوفياء يتذكرون لأبيهم البابا شنودة أعماله الرعوية العديدة. فمنذ أن تبوأ قداسته كرسى الإسكندرية (وليس الإسكندرية والقاهرة) الذى هو كرسى القديس مرقس فى 14 نوفمبر 1971 نجد أنه:
(1) ثبّت عيدا أسبوعياً يوم الأربعاء لأبنائه بالقاهرة وذلك فى العظة التى كان يقيمها لهم بالكاتدرائية المرقسية الكبرى بالعباسية، مفضلاً أن يكون اللقاء وجهاً لوجه. ومن أمانته الشديدة فى انتظام هذه العظة كان يحرص فى سفرياته على مغادرة القاهرة فجر الخميس ويعود قبل الأربعاء.
(2) ثبّت عيداً يوم الأحد (كل أسبوعين) لأبنائه بالإسكندرية، وذلك فى العظة التى كان يقيمها لهم بالكنيسة المرقسية الكبرى.
(3) ثبّت عيداً سنوياً لأديرة وادى النطرون يوم الثلاثاء من أسبوع الآلام، وذلك خلال زيارته للأديرة للصلاة فيها مع الرهبان.
(4) ثبّت عيداً سنوياً لأبنائه بالإسكندرية فى ليلة الأربعاء من أسبوع الآلام، وذلك خلال زيارته للإسكندرية والصلاة مع أبنائه.
(5) ثبّت عيداً أسبوعياً يوم الخميس للمحتاجين بالقاهرة، وذلك خلال اجتماعه بهم مع لجنة البر للتعرف على احتياجاتهم بأبوة فائقة الوصف ودفء المشاعر.
(6) ثبّت عيداً يوم السبت (كل أسبوعين) للمحتاجين بالإسكندرية، وذلك خلال اجتماعه بهم مع لجنة البر فى لقاء أبوى فائق المشاعر.
(7) ثبّت عيداً سنوياً بالكنيسة إذ وضع تقليداً لإقامة أساقفة فى عيد العنصرة بصفته عيد حلول المواهب الكنسية.
(8) ثبّت عيداً مع العاملين بالمقر البابوى بالقاهرة وآخر بالإسكندرية فى اجتماعه بهم فى مناسبتى عيدى الميلاد والقيامة وتوزيع المعايدات المالية عليهم بحنو فائق.
هذا بالإضافة إلى:
(أ) حرصه على زيارة المرضى فى المستشفيات أو فى منازلهم والصلاة من أجلهم والتحدث معهم وتشجيعهم ومساندتهم.
(ب) حرصه على مشاركة أولاده فى آلامهم وتعزياتهم فى أحزانهم والوقوف بجانبهم فى تجاربهم.
(ج) محبته الأبوية الصادقة للأطفال الصغار الذين وجدوا فيه أبوة دافئة- بدون تمييز، إذ كان يحتضن الفقير قبل الغنى- فكانوا يهرعون إليه فرحين مستندين على ذراعيه المباركتين متحدثين إليه ببساطة شديدة.
أما أنا- كاتب هذه السطور- فقد كانت لى جلسات خاصة معه منفردين وحدنا، تجاوزت فى كثير من الأحيان الثلاث ساعات، نتحدث فى أمور كثيرة، وكم عبرت له عن رؤيتى المتواضعة لبعض أمور الكنيسة، وكنت أجد منه تجاوباً فائقاً وحواراً مبدعاً يكشف عن ذكائه الخارق.
وفى حكمته الواعية أود أن أذكر هذه الواقعة بكل أمانة: كان هناك أحد الأشخاص يداوم الهجوم على أقباط مصر فى البرامج التليفزيونية، وفى مرضه سافر إلى لندن للعلاج. فور أن سمع البابا شنودة بذلك حتى بادر بالاتصال بكبير كهنة لندن، كان من قبل وكيل بطريركية الإسكندرية، وقال له: (يا أبونا أنطونيوس، يا ريت تتوجه لزيارة فلان المريض بأحد مستشفيات لندن وتأخذ معك «باقة ورد» وتتمنى له الشفاء العاجل وقدم له الورد كهدية من أقباط مصر).
كان للزيارة أثر عجيب، حتى إن المريض بعد عودته سالماً إلى أرض مصر ذهب لمقابلة البابا شنودة وقدم له الشكر الجزيل وصارا صديقين، ولم يعد بعد ذلك إلى تلك الأحاديث القديمة عن أقباط مصر. المحبة تكسب الكثيرين. والآن قد نام حبيبنا، واستراح من أتعابه، وسكن باقتدار فى مساكن النور والفرح. وذكرى البار تدوم إلى الأبد.
نقلًا عن المصري اليوم القاهرية