بعد وفاتها، شهيدة تحت القصف، تمكن الأطباء في أحد مستشفيات قطاع غزة من إجراء عملية قيصرية طارئة لسيدة حامل تدعى «دارين أبوشمالة» وإنقاذ جنينها.
سميت المولودة «مكة» بناء على رغبة أخيرة لأمها الشهيدة، و«مكة» ليست الأولى التي تولد من رحم شهيدة، في القطاع، الأطباء عادة ما يجرون عمليات قيصرية لسيدات حوامل استشهدن تحت القصف، ونجحوا في إنقاذ حياة مواليدهن.
صندوق الأمم المتحدة للسكان يلفت أنظار العالم الحر، إلى أن نحو (٥٠ ألف امرأة حامل) في غزة، من المتوقع أن تلد (١٠٪) منهن تحت القصف البربرى.. هؤلاء النسوة يواجهن «كابوسا مزدوجا»، الولادة تحت القصف، كابوس مرعب.
وزارة الصحة في غزة تحزننا أن من بين الشهداء الذين سقطوا خلال الحرب الإسرائيلية البربرية على غزة (٢٠٦٢ شهيدة) حتى ساعته.. ولا يزال نزيف الأرواح يروى أرض فلسطين.
مفارقة قدرية، المرأة الشهيدة تلد مقاوما قبل أن تسلم روحها، تهب القضية شبلا من ذاك الأسد سيزأر حتما في وجه مجرمى الحرب، ويتوعدهم في المهد صبيا..
مجرمو الحرب يطلبونها إبادة جماعية، ولكنهم لا يفقهون سر البقاء، سر الأرض الفلسطينية، سرها في نسوتها، في شجرة الزيتون العفية، شجر معمرة، عمر جدات الشهداء أطول من عمر الاحتلال، يزول الاحتلال وتبقى شجرة الزيتون.. وعد الحق.
الروائى الشهيد «غسان كنفانى» يصفها، يصف المرأة الفلسطينية الصابرة المرابطة المحتسبة قائلا: «هذه المرأة تلد الأولاد فيصيرون فدائيين.. هي تخلف وفلسطين تأخذ».
وفى وصفها قال الشاعر صدقا: «يا غصنًا استعصى كسره على أقوى الرجال، وأصبحت شجرة ثابتة فوق الرمال».
ثبات المرأة الفلسطينية ورسوخها في أرضها معجزة إنسانية تتحدث عنها وتغار منها أشجار الزيتون، دمها عطر، وريحها نفس المقاومين، شجرة عتيقة، تعجب من صمودها في وجه الأنواء والأعاصير والقصف الجوى يدك البيوت فوق الرؤوس.
شجرة قوية عفيّة، صابرة محتسبة، تحمل وتنجب وترضع المقاومين، وتستشهد جوار المجاهدين، في مقدمة الصف وخلف المقاومين، وتتلقى الصدمات قصفا، تهرع لإنقاذ أطفالها، ومن يستشهد منهم تسبل عينيه، تكفنه في ثوبها، وتحمله على صدرها إلى مثواه.
سلو بلادنا، كتب عليهن الصمت البليغ، لا عين بكت، ولا صوت صرخ، نعم قلبها مذبوح بسكين بارد ولكنه قلب شجاع.
أبدًا بلدنا ليل نهار.. بتحب موّال النهار، أم الشهيد تودع الجثامين بزغرودة انتصار يلوح، وتعود إلى فرشتها مكلومة، تنفض تراب أحزانها من على وجهها، ينير ليل غزة، تشحن عزيمتها وتحشد المقاومين لفجر جديد.
تعطرت أرض فلسطين تحت القصف بألفين ونيف من الشهيدات، مثل هذا الشعب بهذه التضحيات عصىّ على الاحتواء، لا يُقهر، لا يُهزم، أرقامه المسجلة إحصائيًا ترهب الاحتلال، كلما سفكوا دمًا، نبتت في الأرض الطيبة أشجار المقاومة.
أرض فلسطين حبلى بالشهداء في الأرحام، خصبة ينبت فيها المقاومون ليلا ليستشهدوا صباحًا.. طوبى للشهداء شيوخًا وشبابًا وأطفالًا.. ونساء.
(جدير بالذكر، في الأسر الإسرائيلى قبل مجزرة غزة ٣٢ فلسطينية حرة، ورهن الاعتقال في سجون الاحتلال ١٨٤ فلسطينية حرة.. سيرين النور قريبا وفق صفقة تبادل الأسرى.. سيستأنفن إنجاب الشهداء).