بقلم : حمدي رزق
مصر كبيرة قوى، عظمة على عظمة، بلد عظيم، رغم قسوة الجائحة، والعالم يتوقى، وكل يغلق حدوده، ويطرد الغرباء، ويعزلهم، ويحظرهم ويشردهم، إلا مصر لم تعزل شقيقًا أو تحظر غريبًا، ولم تطارد مخالفًا، ولم تكشر فى وجه مقيم، ولم تصرخ على حكومات المقيمين لإجلائهمولم يصدر صوت مصرى نشاز يطالب بالتخلص من غير المصريين، أو حجزهم وعزلهم وحظرهم أو إجلائهم، أو إلقائهم خارج الديرة (الديار) فى الصحراء.
مصر وطن الكرم، وطن من لا وطن له، وأوصى بها المولى عز وجل كل لائذ وخائف وغير آمن: «اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ» (البقرة ٦١).
مصر كبيرة قوى، وحضنها حنين قوى، وشعبها كريم قوى، لم يصدر منها حرف فى قرار يخص أحبتنا فى ديارنا، ورغم ضيقة الجائحة، لم تتبرم من الجاليات العربية المقيمين فيها، السورى له مثل المصرى، والسودانى يأكل من نفس الطبق، والفلسطينى له ما لنا وعليه ما علينا، والليبى.. فى القلب وفى العيون، وان ماشالتكم الأرض..
«الله يخليكى يا شدة ياللى تبينى ده من ده»، أسمع فى الجوار ضجيجًا، ألمس فى الجوار ضيقًا بالعمالة المصرية وغيرها، أسمع حكيًا بغيضًا من أفواه جبلت على عدم الإنسانية، ما بال هؤلاء؟
مصر الكبيرة لا تتبرم بمن فيها، وتكرم وفادة من لجأ إليها، ولا تفرق بينهم والمصريين، كلنا فى الهم مصريون، فى قلوبنا مسكن، وفى عيشنا مأكل، هذه طبائع المصريين، ويصدق فيهم القول الصميم، «الكريم لا يضام».
وتحسبهم أغنياء من التعفف، ونحن فى قلب الجائحة، وتحسبها الحكومة بالجنيه، وباليوم، وتراجع الأرصدة الطبية والتموينية، لم يخرج مصرى واحد يطلب ترحيل المقيمين، لأن مصر ليس فيها مقيمون، فيها محبون، فيها أخوة، ملايين لا تعد ولا تحصى يقتسمون الغموس الحاف، ويشطرون الرغيف «أبو شلن»، برضا نفس، وبمحبة، المصرى لو فى بيته ما يعزها على غريب، ويعزم بقلب «وربنا».. لا يوجد فى بيته طعام وشراب، «ولاقينى ولا تغدينى» مثل شعبى معمول به، معتمد فى الحكى الشعبى، عنوان مصرى فى ابتسامة اللقاء.
فيضان النيل علم المصريين العطاء من فيض الكريم، عطاء بلا حساب، وأجود من الريح المرسلة فى الجوائح، التى تفقر البيوت، لم يشعر غير المصرى بأنه غريب بل حبيب، يستشعر محبة فى حله وترحاله، وفرصة العيش الكريم، مصر ليس فيها «مخيمات لاجئين»، مصر تفتح البيوت للمحبين، ليس بيننا لاجئون، نبغض هذا الوصف على إخوتنا، ولا نتاجر بهم، ولا نطلب من الاتحاد الأوروبى يورو أو دولارًا، ولا نتنطع على الوكالات لقبض ثمن بعد الرؤوس.
الشعب المصرى يضرب أروع الأمثلة الإنسانية فى التعامل مع إخوته فى شدة الجائحة، ولم يشتط مصرى ضيقًا، ويطالب بطرد العمالة أو إنهاء الإقامات وخلافه من حكى محزن نتسمعه فنعجب من فظاظة الحكى، وقساوة اللفظ، وعدوانية غير مبررة أخلاقيًا، تحرك نوازعها الشريرة أغراض سياسية، ما وراء الأكمة ما وراءها، وراءها شيطان رجيم اسمه الإخوان الإرهابيون!.