طرفة العنوان لا تنقص جديته، جِدّ لماذا لا تفضل إفريقيا الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين»، وتدعمه فى تحديه للهيمنة الأمريكية، إذا تبنت إفريقيا موقف بوتين فى الحرب الأوكرانية فلا ملامة على قادتها، وإذا وقفت موقف الحياد فلا تثريب على العواصم الإفريقية.
بوتين فى القمة الروسية الإفريقية اشترى ود القارة السمراء، وأرسل برسالة محررة من «سان بطرسبرج» إلى عموم القارة السمراء بالمساندة والدعم والحبوب.
بوتين بذكاء استراتيجى يرفع مكانته إفريقيًّا على الأجندة الروسية، كأحد الشركاء الرئيسيين لروسيا «فى عالم جديد متعدد الأقطاب» بحسب قوله.
الرئيس الروسى يحسن وفادة القادة الأفارقة فى القمة الروسية / الإفريقية، ويسقط ٧٠% من ديونها، يسقط ٢٠ مليار دولار ديونًا على الدول الإفريقية مجتمعة، ويدرس تخفيف وطأة بقية المديونيات.
الدب الروسى لا يتلمظ للحم إفريقيا، يزود شعوبها بالقمح مجانًا، ٦ دول إفريقية تستفيد من المنحة الروسية، (بوركينا فاسو، الصومال، إفريقيا الوسطى، إريتريا، مالى، زيمبابوى) ستتلقى كل دولة هبات بمقدار من ٢٥ إلى ٥٠ ألف طن من القمح الروسى مجانًا خلال شهور الخريف المقبل.
بوتين قطع وعدًا بضمان تدفق الحبوب الروسية إلى سكان القارة الذين يتضورون جوعًا هناك فى الغابات بتأثير الحرب الروسية / الأوكرانية، سيعوضهم عن القمح الأوكرانى بقمح روسى شبه مجانى بعيدًا عن اتفاقية الحبوب التى جُمدت إلى حين انصياع كييف للشروط الروسية.
بوتين على رأس دولته سياسيًّا ارتقى فوق الحسابات الوقتية، والمعادلات الدولية، ارتقى فوق الأسقف المنخفضة التى تتعامل بها الدول الغربية مع دول القارة السمراء، تعاطى بكرم روسى بالغ، وتفنن فى تكريم ضيوفه الأفارقة وأنزلهم منازلهم، وأغدق عليهم.
الرئيس الروسى يغير المعادلات الدولية تجاه القارة الإفريقية، من يرد اللحاق ببوتين فى سباقات العدو إلى أدغال إفريقيا فعليه أن يحذو حذوه ويسلك مسلكه، إسقاط ديون وجدولة قروض على مشروعات، فضلًا عن سخاء فى المعونات والهبات والمساعدات، وفى ذلك فليتنافس المتنافسون على قلب الأميرة السمراء.
الصين كقوة اقتصادية طامحة مرشحة لدخول السباق نحو إفريقيا، لديها مخططات تنموية فى أنحاء القارة السمراء، بعض السخاء والذكاء لا ينقص التنين الصينى، الثنائية الروسية الصينية إذا تشكلت حلفًا ستسود القارة الإفريقية، وستحرم أوروبا وأمريكا من قواعدها المستقرة منذ عقود فى القارة السمراء.
بوتين بإعلان خطط المساعدات الروسية لإفريقيا، يحرج الإدارة الأمريكية التى تعلق المساعدات والهبات على شروط فوقية، كإشاعة الديمقراطية، وجودة حقوق الإنسان، فى مجتمعات تترجى القوت الضرورى، وتلتحف بالسماء، وتعانى جفافًا وتصحرًا، وتضربها المجاعات والأوبئة، وترعى فى أجسادها السمراء الأمراض السارية والمتوطنة، وتعانى وتكابد ثالوث الجهل والفقر والمرض. واشنطن عليها أن تعاين الأضرار التى يسببها بوتين.
وقبلها تراجع استراتيجيتها تجاه القارة السمراء، إفريقيا فى أمسّ الحاجة إلى حبوب القمح، وواشنطن تتحدث عن حبوب الديمقراطية، حبوب الديمقراطية قد تسعد الليبراليين الجدد فى العواصم الإفريقية، لكنها لن تملأ بطون الجوعى فى الغابات، ولن تشفى المرضى فى الأحراش.
حديث الديمقراطية باللهجة الأمريكية يبدو ثقيلًا على الآذان الإفريقية، سمعها ثقيل وهى جوعى، كما يقولون، تسمع ما ترغب فى سماعه.. وبوتين يُسمعها ما تحب وتهوى.