بقلم : محمد أمين
قرأت قصة قصيرة تم تسويقها على أنها «نموذج».. القصة تتحدث عن نجاح شاب فى عمل «توك توك كافيه» لمواجهة البطالة.. المهم أنها ليست المرة الأولى.. هناك قصص أخرى أيضًا تتحدث عن عربة بطاطا، فهل تاهت البوصلة من يد الإعلام؟.. هل أصبح الإعلام يدير الجهل بدلًا من إدارة الوعى؟.. هل أصبحنا نبحث عن نجاحات صغيرة لمواجهة الإحباط مثلًا؟!.
أتحدث عن فكرة النموذج.. فما النموذج الذى يتم تسويقه الآن؟.. هناك أيضًا مَن يتحدث عن شاب عثر على «شنطة فلوس» وسلمها لصاحبها.. هؤلاء نفرد لهم الصفحات.. أليست هذه هى الأمانة؟.. أليس هذا الشاب يؤدى الأمانة؟.. ما الحكاية فى تضخيم هذا الفعل؟.. هل معناه أن هذا الفعل أصبح نادرًا هذه الأيام؟.. هل الأصل أن مَن يجد شيئًا يسرقه ولا يرده؟!.
السؤال: لماذا نروج إعلاميًا لمشروعات استهلاكية؟.. أين نموذج الباحثين والعلماء والصنايعية؟.. أين قصص المستثمرين الجدد؟.. ما الذى يترسب فى الذاكرة من تشجيع نماذج تبيع بطاطا أو تصنع قهوة؟.. لماذا لا نشجع صغار المنتجين؟.. هل الإعلام يدير الجهل؟.. لماذا لا نشجع أصحاب الأفكار لتحويلها إلى فرص استثمار؟.. هذا مربط الفرس الذى يعنينى!.
ولا أريد أن أقلل من قيمة ما فعله هذا الشاب أو ذاك.. هذا هو ما استطاع أن يفعله ليوفر فرصة عمل.. سؤالى: ما النموذج فى هذا أصلًا؟.. ما القيمة المراد تسويقها؟.. أظن أن الهدف هو البحث عن ترخيص أو مكان فى الشارع.. وبالتالى تتحول الشوارع إلى أكشاك تبيع كل شىء، ولا تنتج أى شىء أبدًا.. هل هذا هو ما يروجه الإعلام من نماذج؟!.
فمَن يضع هذه الأجندة الإعلامية بالضبط؟.. لماذا لا نبحث عن النماذج المضيئة؟.. ولماذا لا نقدم نماذج للباحثين والمستثمرين؟.. كم واحدًا استفاد من مشروع الـ200 مليار جنيه حتى الآن؟.. متى تتحول مصر إلى دولة منتجة لا دولة مستهلكة؟.. كم مشروعًا سمحت به وزارة الاستثمار حتى الآن؟.. هذا هو المعيار.. هل نطلق كلامًا فى الهواء ولا نمارسه فى الواقع؟!.
المفترض أصلًا أن الإعلام يدير منظومة الوعى.. والمفترض أنه يقدم نجاحات العلماء وأصحاب الأفكار والباحثين.. والمفترض أيضًا أن الدولة تمول الأفكار وتحولها إلى فرص واعدة.. هذه الأشياء أَوْلَى بالتسويق الإعلامى.. وأَوْلَى بالمساحات الصحفية والساعات التليفزيونية والإذاعية.. عندئذ نرفع مستوى الوعى ونقدم فكرة النموذج.. ما يجرى لا علاقة له بالإعلام!.
أكرر أننى لست ضد فكرة إيجاد مساحة لمَن يتغلبون على البطالة بعمل أكشاك.. ولكن ينبغى ألا يكونوا نماذج يتم تسويقها.. هؤلاء ليسوا نماذج نصفق لها.. عندنا نماذج أخرى أَوْلَى بالمساحات وأَوْلَى بالتسويق الإعلامى.. غير هذا فنحن ندير الجهل، ونقلب الموازين ونُضلِّل الرأى العام!.