بقلم : محمد أمين
اقترن اسمه في تاريخ مصر الحديث بالجانب العملى للنهضة والعمران، وهو من نتاج البعثات إلى فرنسا.. وكان لفرنسا في ذلك العهد يد بيضاء على الجيل الذي صنع النهضة العلمية في مصر، من أول رفاعة الطهطاوى إلى الإمام محمد عبده إلى طلعت حرب وسعد زغلول، وأخيرًا وليس آخرًا على مبارك صاحب الخطط التوفيقية!
وُلد على مبارك في قرية برمبال الجديدة، التابعة لمركز منية النصر حاليًا، والتى كانت تتبع حينذاك مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية، سنة 1239هـ/ 1823م، ونشأ في أسرة كريمة، عندما وُلد على مبارك فرح أهل القرية كلها بمولده مجاملة لأبيه، ولأمه التي لم تلد من قبله سوى الإناث، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ودفعه ذكاؤه الحاد وطموحه الشديد ورغبته العارمة في التعلم إلى الخروج من بلدته ليلتحق بمدرسة الجهادية بقصر العينى سنة (1251هـ/ 1835م)، وهو في الثانية عشرة من عمره!
وكانت المدرسة داخلية يحكمها النظام العسكرى الصارم، وبعد عام أُلغيت مدرسة الجهادية من قصر العينى، واختصت مدرسة الطب بهذا المكان، وانتقل على مبارك مع زملائه إلى المدرسة التجهيزية بأبى زعبل، وكان نظام التعليم بها أحسن حالًا وأكثر تقدمًا من مدرسة قصر العينى. حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ أحمد أبى خضر، وعندما كان يذهب إلى الشيخ أحمد أبى خضر يراه كاشر الوجه قاسى الطبع بجواره عصا غليظة تهوى على جسد الأولاد لأتفه الأسباب، ففزع (على) وكره الشيخ!
بعد خمس سنوات اختُيرَ مع مجموعة من المتفوقين للالتحاق بمدرسة المهندسخانة في بولاق سنة (1255هـ/ 839 م)، وكان ناظرها مهندسًا فرنسيًا يسمى «يوسف لامبيز بك»، ومكث على مبارك في المدرسة خمس سنوات درس في أثنائها الجبر والهندسة والكيمياء والمعادن والجيولوجيا والميكانيكا والفلك والأراضى وغيرها، حتى تخرج فيها سنة (1260هـ/ 1844م).
اختير ضمن مجموعة من الطلاب النابهين للسفر إلى فرنسا في بعثة دراسية سنة (1265هـ/ 1849م)، وضمت هذه البعثة أربعة من أمراء بيت محمد على: اثنين من أبنائه، واثنين من أحفاده، أحدهما كان إسماعيل بك إبراهيم، الذي صار بعد ذلك الخديو إسماعيل، ولذلك عُرفت هذه البعثة باسم بعثة الأنجال، واستطاع بجِدّه ومثابرته أن يتعلم الفرنسية حتى أتقنها!
وبعد عودته إلى مصر عمل بالتدريس، ثم التحق بحاشية عباس الأول مع اثنين من زملائه في البعثة، وأشرف معهما على امتحان المهندسين، وصيانة القناطر الخيرية!
كان التعليم في ذلك العصر سبيلًا للترقى الاجتماعى، حتى أن النابغين فيه يجلسون مع أبناء الأمراء ويتحاورون مع الخديو.. وهذا على مبارك نموذجًا، مثل الطهطاوى ومحمد عبده وسعد زغلول وطلعت حرب، وسائر النخبة التي صنعت مجد مصر وتاريخها في ذلك العهد