بقلم : محمد أمين
الحياة فى سيوة عدة أيام: عودة للطبيعة والرمل والملح والتمر.. كل واحدة منها تصنع حياة كاملة لأصحابها، فأنت هنا تعيش ما يسمى الغمر فى الرمل أو الدفن فى الرمل للاستشفاء.. وتأتى إلى هنا لتعيش أيامًا فى حضن الطبيعة وكأنك فى مركز للعلاج الطبيعى، حيث تعوم فى بحيرة الملح التى لا نظير لها على مستوى العالم.. وقد تستمر هذه الجلسة ما بين ربع ونصف ساعة، حسب قدراتك.. ثم تذهب إلى جلسة أخرى فى حمام الملح.. وبعدها حمام رمل مع مشروب الحلبة والليمون الدافئ.. وبعدها لا استحمام ولا أى شىء لمدة ثلاثة أيام!.
وقد اصطحبنا الزميل حمدى حمادة، المتخصص فى الشؤون السياحية، وأول من لفت الأنظار إلى حكاية الغمر بالرمل والملح فى جبل الدكرور بواحة سيوة، وأصبح يقود الزملاء من كبار السن فى الرحلة، ويرتب لهم الزيارة مع المتخصصين من مراكز الاستشفاء. وكنا هناك مجموعة متميزة، من بينهم محمد نجم وجلاء جاب الله، وبعض الأصدقاء منهم أحمد عيسى زكى.. وكانت متعة لا تضاهيها متعة ونحن نعيش فى مراكز تتوافق مع البيت.. مسقوفة بفلق النخيل والغاب ونأكل الزيتون وزيت الزيتون، ونحصل على جلسات الغمر بالرمل والملح، وننام ساعات محدودة مشبعة، وتحولنا إلى أناس يعيشون فى الواحة!.
وعلى هامش الرحلة العلاجية، قمنا بزيارة سيوة العتيقة، وصلنا إلى قمة الجبل، حيث المسجد الذى يبلغ عمره ألف عام فوق قمة الجبل، وتكييف الهواء فيه ربانى، حيث تم بناؤه من النخيل والطين، وتمت تقويته بشجر الزيتون ليصمد على مر الزمن، ثم تحركنا لزيارة معبد آمون أو الإسكندر أو معبد الوحى، ثم توجهنا يمينًا إلى عين كليوباترا، وهى مياه كبريتية رائعة، قيل إن كليوباترا تحممت فيها وحافظت على صحتها وشبابها.. وحولها تنفجر العيون الطبيعية التى تتدفق بقوة وغزارة بشكل طبيعى دون ماكينات أو أى تدخل بشرى!.
كنا نقطع المسافات بين أشجار النخيل والزيتون، ويصحبنا أحد أبناء سيوة واسمه «عداس».. يتكلم بفخر عن تاريخ بلاده، ويشرح لنا بعض الآثار على جانبى الطريق.. ثم جلسنا على مقهى فى منطقة عين كليوباترا نشرب الشاى بالنعناع أو الحبق.. وفى هذه الواحة، ننعم بحمام شمس طبيعى قبل أن نعاود من جديد حمام الملح والرمل لفقد الماء الذى فى أجسامنا مرة أخرى!.
كل شىء هنا طبيعى.. الناس والأشياء والمياه الطبيعية من سيوة.. كهف الملح والرمل والناس بقلوبها البيضاء والجلابيب البيضاء.. وهم متدينون.. لا يعرفون الغش ولا السرقة.. حالة أمان نادرة.. لا أحد يخشى على مزارعه ولا منازله.. وأنت تستطيع أن تدخل أى بيت تأكل وتشرب ولا يسألك أحد من أين أو إلى أين.. فأنت تأخذ واجبك أولًا على الطريقة العربية، ثم يدلونك بعدها على الطريق.. قمة الأمن والأمان!.
وفى النهاية، أشكر حمدى حمادة الذى أتاح لنا هذه الفرصة بكرم كبير.. وأشكر بيت شريف السنوسى الذى استقبلنا وقام بجميع واجبات الضيافة.. وأشكر محمد نجم وجلاء جاب الله وجميع الأصدقاء فى الرحلة، كلهم أشعرونا بالرغبة فى التغيير والعودة للجذور.. اكتشفوا بلادكم واذهبوا إلى سيوة!.