بقلم : محمد أمين
كنت فى بواكير حياتى من عشاق قراءة الكتب والروايات والقصص.. سواء كانت روايات مصرية عربية أو أجنبية مترجمة.. لم يكن ذلك بهدف الإعداد للمستقبل فى عالم الصحافة، فقد كان الطب هو الغاية.. ولكن الإعلام كان ضربة من ضربات مكتب التنسيق.. لكن كانت الثقافة فى حياتنا هى الغذاء اليومى، وكان مركز الترجمة والنشر نشيطًا جدًّا فى الترجمات الأجنبية، وخاصة الشرقية الروسية!.وكنا نقرأ كل شىء، حتى ورقة الطعمية.. وكثيرًا ما كنا ننصرف عن الأكل للتفكير فيما تحمله ورقة الطعمية من أفكار، فنبحث عن الكاتب والكتاب، وربما نترك الأكل للبحث عن الكتاب والسيرة الذاتية للكاتب لنصل إلى السياق الذى كتب فيه هذه المعلومات!.
وهكذا كنا نفعل عندما نبدأ يوم التنظيف، ونعثر على بعض الأوراق الطائرة تحت السرير، فنقرأها لنسترجع الذكريات، مع أننا قرأناها عشر مرات، ولكنها الهواية فى ذلك العصر.. فأنت تقرأ ورقة الطعمية رغم الزيوت، التى تجعل الحروف بارزة أو تختفى بتأثير الزيت المحروق.. وتقرأ الأوراق الطائرة تحت السرير، وهى فى الغالب ورقة الواجب، وتتذكر عندما أخذت تقديرًا ما من المدرس، فتبتسم أو تغضب لأن المدرس كان قاسيًا فى هذا اليوم، وقرر أن يعطيك درجة أقل لسبب أنت تعرفه!.
ولكن هذه ورقة أخرى لها قيمتها، فقد ذكّرتنى بالفيلسوف الإنجليزى برتراند راسل، وهو الذى كان يعنى بالفلاحين والأرض والزراعة وعلم الاجتماع، وقد تأثرت بأفكاره إلى حد كبير، وعاش معى فترة أطول من كل الروائيين الروس.. وأصبح راسل شخصية مؤثِّرة ومثيرة للجدل فى القضايا الاجتماعية والسياسية والتعليمية، وكان مباشرًا فى دعوته إلى السلام، ودعا إلى انتهاج مواقف ليبرالية إزاء الجنس والزواج ووسائل التعليم، وكان من منتقدى الحرب العالمية الأولى (1914م- 1918م). سُجن عام 1918م بسبب تصريحات ضارة بالعلاقات البريطانية الأمريكية، ثم دخل السجن مرة أخرى عام 1961م بسبب التحريض على العصيان المدنى فى حملة تطالب بنزع السلاح النووى، وحصل على جائزة نوبل فى الآداب عام 1950!.
تميز بكونه ناقدًا ساخرًا بالإضافة إلى كونه عالِمًا اجتماعيًّا دقيقًا كتب ما يزيد على المائة كتاب والكثير من المقالات فى الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والسياسة والدين والأخلاق والجنس. مات وعمره حوالى مائة عام فى سنة 1970.
من أعماله «مبادئ الرياضيات» و«تاريخ الفلسفة الغربية» و«مشكلات الفلسفة»، ومن أقواله «إن مبرر احترام الأطفال لآبائهم لا يُعد أقوى من ذلك الخاص باحترام الوالدين لأطفالهما، فيما عدا أنه عندما يكون الأطفال صغارًا يكون الآباء أقوى من الأطفال»!.
فلا تستهينوا بالأوراق القديمة، خاصة ورقة الطعمية، فإنها كانت أصل قراءة مشاهير الكُتاب فى فترة زمنية معينة.. كانت ورقة الطعمية هى البدايات، وأول معرفتهم بالقراءة خارج المقرر الدراسى!.