بقلم : محمد أمين
لا أفهم ولا أصدق هذا الموقف الغريب من جانب السودان فى ملف سد النهضة الإثيوبى.. فالسودان لم توقع على ما تم التوصل إليه فى واشنطن برعاية أمريكية، مع أن مصر والسودان دولتا مصب.. وأن مساعى مصر تحفظ حق السودان.. كما أن السودان تحفّظت على موقف الجامعة العربية من الأزمة.. مع أنها مستفيدة منه أيضًا.. أيضًا تصريحات السودان فيها تلميح وتلقيح ضد مصر، فهى تقول إن إثيوبيا هى الصديق الحقيقى، وكأن مصر ليست صديقًا ولا شقيقًا للسودان!.
الموقف لا يمكن تفسيره أبدًا.. فمصر التى اعتبرت أمن السودان من أمن مصر القومى، اليوم ترى السودان أن مصر ليست صديقة بالمعنى الحقيقى، ومعناه أيضًا أنها ليست شقيقة، فالذى ليس صديقًا ليس شقيقًا.. وتبرر تصريحاتها بكلام لا يساوى وزنه ترابًا.. فمصر التى لم تنم أثناء ثورتها خوفًا عليها ليست صديقًا حقيقيًا من وجهة نظر قادة السودان الجدد، وكنت أتصور أن حالة الجنون مرتبطة بعصر البشير، واكتشفت فى هذه الأزمة أن السودان تكن لنا كراهية كبرى!.
وكان المبرر العجيب أن السودان تريد اتباع نهج دبلوماسى مختلف مع إثيوبيا، بحجة أن البلدين لديهما إمكانيات غير مستغلة تتطلب التعاون.. ومَالُه منكم نستفيد.. دِلونا على نهج دبلوماسى لم تسلكه مصر ولكم الأجر والثواب.. نحن مستعدون للعمل بنصيحة السودان.. فما هو المطلوب منا بالضبط؟.. وكيف نتصرف فى عقدة تاريخية لا نملك حلها الآن؟.
وأستغرب أن السفير السودانى فى إثيوبيا يتحدث عن دور إثيوبى فى التحول السودانى الحالى، وينكر دور مصر نحو تثبيت الدولة وعبور الأزمة، وزاد السفير قائلًا إن السودان ممتنة لدعم إثيوبيا الحقيقى، وكأن دعم مصر كان دعمًا وهميًا.. تخيل، هذا هو سفير السودان الذى يمثل القادة الجدد الذين تعلموا فى مصر.. فهؤلاء أيضًا لا يعرفون ماذا يقولون، ولا يميزون الصديق الحقيقى من الشقيق.. فما هذا الجنون؟.. وأى سياسة يلعبونها وأى دبلوماسية يتحدثون عنها؟!.
كيف يمكن التضحية بمصر بهذا الشكل؟.. هل السودان فى حاجة إلى صديق حقيقى ولكنه ليس فى حاجة إلى شقيق؟.. وكيف طاوعت السودان نفسها بعدم التوقيع على اتفاق واشنطن؟.. وكيف واتتها الجرأة لكى تتحفظ على قرار الجامعة العربية بدعم المفاوض المصرى؟.. ثم ما معنى هذه التصريحات، هل هى غلطة سفير أم أنها سياسة سودانية فى المستقبل؟.. على أى حال نحن سنفاوض إثيوبيا ونكسب قضيتنا، فماذا تفعل السودان فى هذه اللحظة؟، هل تبحث عن صديقها وتترك شقيقها؟!.
أشعر بالغضب والصدمة من تصرفات السودان، لأنها غير مبررة بالمرة.. ربما موقف إثيوبيا له ما يبرره.. فهل تقبل السودان أن تكون خنجرًا فى ظهر مصر؟.. هل الجيل الجديد من السودان، كما قال السفير مختار عبدالسلام، يعرف حق إثيوبيا ولا يعرف حقوق مصر التاريخية فى السودان والنهر العظيم؟!.