بقلم - محمد أمين
هذا قرار «تاريخى» بمعنى الكلمة، فلم نعرف الزيادة بهذا المعدل أبداً، فالحد الأدنى الذى أعلنه الرئيس، أمس، هو الحد الأدنى للحياة.. وهو الذى يمكن أن يحافظ على إنسانية الموظف العام.. إنها بادرة جيدة حين يقرر الرئيس رفع الحد الأدنى للأجور لجميع العاملين بالدولة، مخاطبين أو غير مخاطبين بقانون الخدمة المدنية، من 1200 جنيه إلى 2000 جنيه!
فالقرار الرئاسى اعتراف «رسمى» من الدولة بأن أقل من ذلك يضع الجميع فى مأزق، خصوصاً بعد التحرير الكامل لأسعار الطاقة والوقود.. وهو قرار لا علاقة له بتعديل الدستور، لكنه قرار تأخر بالفعل، ويستبق قرارات يوليو أيضاً.. ويبقى السؤال: كيف تستقيم الحياة لأصحاب «المعاشات» بهذا الدخل الهزيل؟.. هل الزيادة بنسبة 15% تكفى بعد ضياع العمر؟!
وهل يعقل أن يبدأ الموظف العام بألفى جنيه، بينما يقبض أصحاب المعاشات 1500 جنيه؟.. أى منطق هذا بالضبط؟.. ألسنا جميعا نعيش فى ظروف اقتصادية واحدة؟.. ألسنا جميعاً نخضع لمعايير واحدة؟.. كيف نفكر فى الموظف الجديد، ولا نفكر فى الموظف الذى تقاعد بعد 40 عاماً، مع أن علاجه يكون أكثر.. وهل تكفى 15% زيادة للمعاشات فى تدبير النفقات؟!
فقد كنت أقول دائماً إن الرئيس لابد أنه يدخر شيئاً للمصريين.. وتساءلت ذات يوم: ماذا يدخر الرئيس؟.. فلا أتصور أن يكون الرئيس قد قرر الزيادة دون الرجوع للحكومة.. ولا أتخيل أنه قرر ذلك دون تفاوض.. بالتأكيد ناقش وقرر واختار توقيت الاحتفال بالأم المثالية.. لأن المرأة هى التى تدير موازنة الأسرة، وهى التى تسعدها الزيادة، وتقوم بتحصيلها فوراً!
وبالتأكيد كانت هناك مؤشرات للزيادة، لكن الاختلاف كان حول النسبة المقررة.. البنك المركزى استبق القرار الرئاسى، وأبقى على أسعار الفائدة «دون تخفيض».. قرأت حيثيات مهمة للقرار، منها أن تحرير أسعار الطاقة فى يوليو قد يكون مؤلماً، ومنها أن ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة فى رمضان قد يضاعف الأعباء.. إذن هى تضحيات مشتركة كى نعبر الأزمة!
وأعتقد أنه «أعلى سقف» ممكن أن يصل إليه الرئيس الآن.. ومعناه أن الميزانية لا تتحمل أكثر.. ومعناه أن الزيادة ممكنة بعد ذلك، فى حال دخول استثمارات مباشرة، أو زيادة دخل مصر من حقول الغاز الجديدة.. وقد يقر الرئيس «زيادة أخرى» بعد عام، إذا تحسنت الأمور أكثر.. وهو لا يفعل ذلك «رشوة الاستفتاء»، فقد «حرر» أسعار الطاقة قبل الانتخابات مباشرة!
وأخيراً، فإن القرار الرئاسى بزيادة الأجور والمعاشات كان فى «موعده» بالضبط، وكان نتيجة نجاح اقتصادى حقيقى.. ولا علاقة له بالاستفتاء إطلاقاً، لكنه «إقرار» بأن الناس «تعبت» وآن لهم أن «يتنفسوا».. فقد كانت القرارات مرهقة للمواطنين، وشكرهم وحده لا يكفى أبداً!
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع