بقلم : محمد أمين
الخطاب السياسى للرؤساء فى الأزمة العالمية كاشف لطبيعة الشعوب وأدرى بأحوال كل شعب.. ومن نعمة الله أن الخطاب الرئاسى لم يكن فيه أى شبه من الخطاب السياسى لرئيس وزراء بريطانيا، الذى قال فيه: «ودِّعوا أحبابكم».. ولم يكن فيه شبه من خطاب «ميركل»، التى تقول لشعبها إن 70% من الألمان سوف يتعرضون للإصابة بفيروس كورونا.. وأيضًا ليس فيه شبه من خطاب دونالد ترامب الأكثر تحفظًا عندما قال إنه قد يعلن الطوارئ، وإنه قد يخضع لاختبار «كورونا»!
بعد خطاب ترامب بساعات كادت سلاسل محال الجملة تفقد الأرصدة التى تخزنها للطوارئ.. أما الرئيس السيسى فكانت عينه على شعبه، الذى لا يتحمل كلمة بوريس جونسون، ولا إعلان الطوارئ، ولا كلام «ميركل» عن إصابة الألمان.. وكان متوازنًا ومتحفظًا كرجل مخابرات لا يُدْلى بمعلومات، ولا يهون من أى أزمة، ولا يهول منها أيضًا.. لقد كان السيسى فى كل الأزمات التى مرت بها مصر منضبطًا، سواء فى أزمة سد النهضة أو الكورونا أو إعصار «التنين».. وكل ما قاله أنه تابع سلوك المصريين الراقى وشكرهم عليه، ووصفهم بأنهم شعب نبيل فى المحن والأزمات!
وأكاد أقول إن أهم سلاح يواجه به المصريون أزماتهم هو سلاح السخرية والجدعنة والشهامة.. والذين يتساءلون: كيف يتعامل المصريون هكذا؟! لا يعرفون مصر ولا الحروب التى خاضتها ولا الأزمات التى عاشتها.. فما يحدث الآن بالنسبة لنا من أمطار «لعب عيال».. فقد كان المصريون يجرون على القنابل فى زمن الإرهاب ولا ينتظرون حتى يتم تفكيكها..
إنهم يجرون على الحرائق قبل أجهزة الدفاع المدنى لإطفائها وإنقاذ المصابين.. فالسخرية هى التى تعطينا المناعة والمقاومة.. والأزمات هى التى تجعلنا نرى الشدائد صغيرة لا وزن لها.. فلا تستغربوا ولا تتعجبوا من المصريين، فكل حريق فى بيت مصرى هو حريق فى كل بيت.. وكل غريق مصرى هو غريق فى كل بيت، وقد رأينا مجموعات من الشباب متطوعين لإنقاذ العالقين من المطر فى شوارع مصر!
وأعود للخطاب السياسى من جديد.. فقد كان الرئيس يضع فى اعتباره حركة شعب بالملايين لو أُصيب بالهلع أو الفزع.. فلم يذهب إلى محال الجملة لتدبير احتياجاته من السلع، وإنما ذهب إلى محال التسالى ليشترى اللب والسودانى.. وهى طبيعة شعب لا يخشى الموت ولا الفقر ولا الجوع.. ليس كمثله شعب على وجه الأرض!
وأخيرًا، اكتشفنا فارق الثقافة بين الشعوب فى أزمتى كورونا وإعصار التنين.. وركبنا المراكب ونشرنا الفيديوهات طوال ساعات، نضحك منها ونضحك عليها.. إنها طبيعة حياة.. وانشغلنا بمتابعة العالم عبر الأقمار الصناعية ووكالات الأنباء.. ورأينا فى مصر إجراءات حكومية وغرف عمليات على مدار الليل والنهار.. تقول: «مصر تحت السيطرة.. اطمنوا»، فهل هناك سبب آخر حتى نقلق؟