بقلم : محمد أمين
أتمنى لو أن سفيرنا علاء يوسف، مندوب مصر لدى المقر الأوروبى للأمم المتحدة فى جنيف السويسرية، قد أرسل خطاباً إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان فى مقرها هناك، يسألها سؤالاً من ثمانى كلمات على النحو التالى: ما مفهومكم، دام عزكم، لحقوق الإنسان فى العالم؟!.
إن تحديد معانى الكلمات قبل البدء فى الحديث طريقة يونانية قديمة، وقد كان سقراط، فيلسوف اليونان الأعظم، مغرماً بها جداً، إلى حد أنه اشتهر بها وحده بين فلاسفة العالم!.
والسؤال له سبب، وتترتب عليه نتيجة، أما سببه فهو أن المفهوم الذى نسأل عنه يبدو أنه مطاط بأكثر من اللازم، بحيث يضيق فى حالات ويتسع فى حالات أخرى، وهو يضيق ويتسع حسب مزاج المفوضية فى كل الحالات، وأما النتيجة فهى أن تحديد معنى مفهوم حقوق الإنسان لديها فى مقرها الذى يطل على البحيرة السويسرية الشهيرة سوف يجعلنا.. نحن من جانب والمفوضية من جانب آخر.. نتحدث عن شىء واحد، إذا تحدثنا معاً، وليس عن شيئين!.
إننى أريد من وراء السؤال أن أعرف آخر مرة تحدثت فيها هذه المفوضية عن حق الإنسان فى مصر، فى أن يحصل على خدمة تعليمية جيدة، أو عن حقه فى أن يتلقى رعاية صحية ملائمة، أو عن حقه فى أن يشرب ماءً نقياً، أو عن حقه فى أن يقيم فى سكن آدمى.. وهكذا.. وهكذا.. إلى آخر القائمة!.
لم يحدث طبعاً.. وإذا كان قد حدث، فإننى أدعو القائمين على أمر المفوضية إلى أن يشيروا لنا إلى تلك المرات التى اهتمت فيها بحقوق الإنسان بهذا المفهوم الشامل!.
لم يحدث.. ولكن حدث أن اهتمت بوفاة محمد مرسى، وطلبت تحقيقاً مستقلاً حول وفاته، رغم أنها تعرف أنه سقط مغشياً عليه فمات فى مكانه أثناء محاكمته، ورغم أنها تعرف أن ذلك جرى على مرأى من زملاء له فى القضية نفسها التى وقف يدافع عن نفسه فيها، ورغم أنها تعرف أن رحيله المفاجئ لم يكن فى محبسه الذى كان يقضى وقته فيه بمفرده!.
حدث هذا من المفوضية، فبدا منذ اللحظة الأولى أن مفهوم حقوق الإنسان لديها مفهوم ناقص، ولأنه كذلك، فإنها تذهب به إلى تسييس ما لا يحتمل التسييس بطبيعته!.
وقد كانت الخارجية موفقة حين ردت على لسان المتحدث باسمها أحمد حافظ، فقالت إن طلب المفوضية هو: محاولة تسييس متعمد لحالة وفاة طبيعية!.
الأجدى بالمفوضية.. والحال على ما نراه.. أن تُبدل اسمها ليصبح مفوضية حق الإنسان، لا مفوضية حقوق الإنسان، لا لشىء، إلا لأنها فى كل مرة تختزل حقوقه فى شىء واحد لا ترى سواه.. وحقوق الإنسان بطبيعتها أوسع من أن يجرى اختزالها على هذه الصورة المختلة!.